[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

هل ضرب المنشآت النووية الإيرانية يؤثر علي الاقتصاد المصري

بقلم: ميادة سيف

هناك العديد من التساؤلات حول ما سيحدث لو قامت إسرائيل بشن ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية و العواقب المتوقعه علي منطقه الشرق الاوسط و خلال هذا المقال سنتناول الجوانب السلبيه لهذه القضية بالتفصيل، مع التركيز على السياق السياسي الحالي، السيناريوهات المحتملة لعملية الهجوم.

بدأ برنامج إيران النووي في ستينيات القرن الماضي، بمساعدة الولايات المتحدة في إطار برنامج “الذرة من أجل السلام” لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979،و تحوّل هذا البرنامج إلى مسار مختلف، مما أثار قلق الدول الغربية التي بدأت تتخوف من أن إيران تسعى لتطوير أسلحة نووية في المقابل، و لكن من جانب إيران فهي تؤكد أن برنامجها ذو طبيعة سلمية ويهدف لتوليد الكهرباء والبحث العلمي، لكن الولايات المتحدة، تُعبّرعن مخاوفها من أن ايران تسعى سرًا لتطوير قدرات تمكنها من إنتاج أسلحة نووية تغزو بها العالم، من بين المنشآت الرئيسية التي تثير قلق المجتمع الدولي تقع منشأة “نطنز” لتخصيب اليورانيوم، التي تُعتبر من أبرز مراكز البرنامج النووي الإيراني، ومنشأة “فوردو” التي تقع تحت الأرض وتُعد واحدة من أكثر المنشآت النووية تحصينًا.

وهناك مفاعل “أراك “الذي يعمل بالماء الثقيل، وهو مشروع تخشى الدول الغربية أن يُستخدم لإنتاج البلوتونيوم الضروري لصنع الأسلحة النووية,هذه المنشآت تُعتبر نقاط قلق رئيسية بالنسبة لإسرائيل والدول الغربية، حيث يرى هؤلاء أن تطوير إيران للقدرات النووية قد يُمكّنها من إنتاج أسلحة نووية في المستقبل القريب ومع تصاعد الاحداث الاخيره بين إيران وإسرائيل حيث تعتبر إسرائيل البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا لها و الدعم الإيراني لجماعات مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة يزيد من شعور إسرائيل بالخطر في المقابل، و من هذا المنطلق تعتبر إيران قوة عدوانية تسعى للهيمنة على المنطقة، من وجهه نظر اسرائيل وتصفها بأنها “العدو الأيديولوجي”.

فإذا قررت إسرائيل شن هجوم على المفاعل النووي الإيراني، ستكون العملية معقدة للغاية حيث اتخذت إيران تدابير إضافية لتحصين منشآتها، مثل بناء منشأة “فوردو ” تحت الجبال، مما يجعل من الصعب تدميرها بالكامل، فإذا شنت إسرائيل هجومًا على المنشآت النووية الإيرانية، فإن العواقب قد تكون وخيمة على عدة مستويات:

1- رد فعل إيران: سترد إيران بكل تأكيد على أي هجوم إسرائيلي، ومن المتوقع أن يكون ردها باستخدام صواريخ باليستية ضد المدن الإسرائيلية أو القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج كما قد تلجأ إلى حلفائها في المنطقة، لشن هجمات بالصواريخ على إسرائيل.

-2 العلاقات الدولية: قد يؤدي الهجوم إلى تدهور العلاقات بين الدول الكبرى مثل روسيا والصين، اللتان تربطهما علاقات جيدة بإيران، وقد تدينان إسرائيل، بينما قد تدعم الولايات المتحدة إسرائيل وهذا قد يؤدي إلى تصاعد التوترات على الساحة الدولية
3- الأمن الإقليمي: الهجوم قد يشعل حربًا شاملة في الشرق الأوسط قد تستهدف إيران المنشآت النفطية في دول الخليج، مما سيؤثر على إمدادات النفط العالمية فالحرب قد تمتد إلى لبنان وسوريا والعراق، حيث تمتلك إيران نفوذًا كبيرًا من خلال الميليشيات الموالية لها.

4- الاقتصاد العالمي: تصعيد الصراع في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، مما سيؤثر على الاقتصاد العالمي، خاصة بالنسبة للدول المستوردة للطاقة.

كما ان الولايات المتحدة تمثل دورًا محوريًا في أي هجوم إسرائيلي محتمل على إيران فهذا الدور يتنوع بين الدعم العسكري والاستخباراتي، والتأثير الدبلوماسي، والعواقب التي قد تترتب على مصالحها في المنطقة.

1 الدعم العسكري والاستخباراتي: إذا قررت إسرائيل شن هجوم، فمن المرجح أن تقدم الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا كبيرًا، بما في ذلك تقديم طائرات F-35 المتقدمة أو معلومات استخباراتية حول المواقع الإيرانية.

2 الموقف السياسي والدبلوماسي: قد يختلف موقف الولايات المتحدة حسب الإدارة الحاكمة إدارة ترامب اتبعت سياسة متشددة تجاه إيران، وأعادت فرض العقوبات بعد انسحابها من الاتفاق النووي، بينما تسعى إدارة كاميلا إلى إحياء الاتفاق النووي كوسيلة لتجنب الصراع العسكري.

3 العواقب على المصالح الأمريكية: الولايات المتحدة قد تكون هدفًا لردود الفعل الإيرانية، بما في ذلك هجمات على القواعد الأمريكية في الخليج كما قد تؤدي أي توترات في مضيق هرمز إلى اضطراب إمدادات النفط، بما سيؤثر على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

و من الجانب الآخر كيف تؤثرهذه الصراعات بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد المصري وحركة الاقتصاد بشكل عام وفيما يلي بعض السيناريوهات حول كيفية تأثير هذه النزاعات على الجانب المصري:

1 ارتفاع أسعار النفط وتأثيره على مصر

إحدى أبرز النتائج المتوقعة لأي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط، خصوصًا في منطقة الخليج، هي اضطراب إمدادات النفط بمنطقة الخليج العربي حيث تحتوي على أكبر مخزون نفطي في العالم، ومعظم صادرات النفط تمر عبر مضيق هرمز، الذي قد يصبح ساحة صراع رئيسية و أي تعطيل لهذا المضيق سيرفع أسعار النفط عالميًا بشكل حاد.

– التأثير على واردات الطاقة المصرية حيث ان مصر تستورد جزءًا من احتياجاتها من الوقود، وعلى الرغم من الاكتشافات الكبيرة للغاز الطبيعي في مصر (مثل حقل ظهر)، إلا أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا سيؤدي إلى زيادة تكلفة واردات النفط والوقود، بما يزيد الضغط على الميزانية العامة ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود محليًا و زيادة تكلفة الوقود ستؤثر على كافة القطاعات الاقتصادية، من النقل إلى التصنيع قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يزيد من التضخم ويؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.

2 التأثير على السياحة

الصراعات في المنطقة عادة ما تثير مخاوف السياح، خاصة إذا ما اندلعت مواجهات عسكرية كبرى أو تصاعدت التوترات في المنطقة بشكل غير مسبوق فمصر تعتمد بشكل كبير على قطاع السياحة كأحد مصادر الدخل القومي و في حال زيادة التوترات العسكرية في الشرق الأوسط، من المحتمل أن يشهد قطاع السياحة في مصر تراجعًا في أعداد الزوار بسبب المخاوف الأمنية، حتى لو لم تكن مصر جزءًا مباشرًا من الصراع و لكن تواجنا في مناطق الصراع مثل البحر الأحمر وقناة السويس، مما قد يضعف رغبة السياح في زيارة المنطقة و تراجع أعداد السياح سيؤدي إلى تراجع العائدات السياحية، بما يؤثر على قطاعات مثل الفنادق، المطاعم، شركات الطيران، والمتاجر التي تعتمد على السياحة، وهذا بدوره ينعكس سلبًا على دخل مصر القومي.

3 التأثير على قناة السويس

قناة السويس هي ممر ملاحي حيوي للتجارة العالمية، وهي مصدر أساسي للعملة الصعبة في مصر تمر عبرها نحو 10% من التجارة العالمية، بما في ذلك جزء كبير من صادرات النفط من الخليج العربي إلى أوروبا وآسيا و في حال إغلاق أو تعطل مضيق هرمز، يمكن أن يزيد الاعتماد على طرق بديلة مثل قناة السويس و هذا قد يؤدي إلى زيادة مرور ناقلات النفط والسفن التجارية عبر القناة، وبالتالي زيادة العائدات من الرسوم ومع ذلك، قد يصبح الأمن البحري مسألة حرجة إذا توسعت النزاعات في المنطقة وامتدت إلى عمليات عدائية ضد الممرات المائية، وقد يواجه ممر قناة السويس مخاطر محتملة، مثل تهديدات لوجستية أو هجمات إرهابية تستهدف تعطيل المرور عبر القناة.

4 -عجز الميزان التجاري: في حال دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة تباطؤ نتيجة زيادة تكاليف الطاقة أو تراجع الأسواق، قد يتأثر الطلب على الصادرات المصرية، سواء في قطاعات المنتجات الزراعية أو الصناعية ضعف الطلب الخارجي قد يؤدي إلى تراجع عائدات الصادرات، مما يزيد من العجز في الميزان التجاري.

5 التأثير على الاستثمار الأجنبي المباشر

النزاعات العسكرية والتوترات الجيوسياسية دائمًا ما تؤدي إلى حالة من عدم اليقين، وهو ما يخيف المستثمرين حيث تعتمد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة كأحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي، سواء في قطاع البنية التحتية، الطاقة، أو التكنولوجيا وقد يشهد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر تباطؤًا بسبب المخاوف الأمنية المستثمرون ، وأي اضطرابات إقليمية قد تؤثر على تدفق هذه الاستثمارات.

-6- زيادة تكلفة التأمين: مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية، قد تزيد تكلفة التأمين على الاستثمارات والمشروعات في المنطقة، بما في ذلك قد يزيد من التكاليف التشغيلية للمستثمرين ويجعل مصر أقل جاذبية مقارنة بمناطق أخرى أكثر استقرارًا.

7- التأثير على الاستقرار السياسي الداخلي

النزاعات في الشرق الأوسط قد تزيد من الضغوط الداخلية على الحكومات في المنطقة، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة التضخم قد يؤدي إلى زيادة التوترات الاجتماعية والسياسية داخل البلاد وفي حال ارتفعت أسعار السلع الأساسية والوقود بشكل كبير، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الغضب الشعبي والتوترات الاجتماعية و يمكن أن يشكل تحديًا للحكومة في إدارة الاقتصاد والسيطرة على الأسعار، خاصة إذا كانت هناك احتجاجات أو مطالب بزيادة الدعم الحكومي للسلع الأساسية
وفي النهاية نقول ان الصراع المحتمل بين إيران وإسرائيل والضربة المحتملة على المنشآت النووية الإيرانية سيؤثر بلا شك على تراجع الاقتصاد المصري من خلال قنوات متعددة مثل ارتفاع أسعار النفط، تراجع السياحة، والتأثير على التجارة والاستثمارات كما أن هذا النزاع قد يعزز من المخاطر السياسية والاقتصادية التي تواجهها مصر في المنطقة.
وحفظ الله مصر شعباً و جيشاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى