[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

الأعياد فى مصر القديمة.. طقوس فرعونية توارثتها الأجيال

أكد عدد من الأثاريين أن النقوش على المعابد تدل أن المصريين القدماء كانت عندهم أنواع عدة من الأعياد، مشيرين إلى أن هنالك أعياد رسمية وهي التي يتم الاحتفال بها في مصر كلها، وأخرى محلية وهي خاصة بإقليم أو مدينة معينة، وأعياد خاصة وهي شعبية تتعلق بفئة معينة أو مناسبة معينة خاصة بمجموعة أو مكان معين، وأعياد دينية، وزراعية، وجنائزية.

وقالوا إنه كما كان توجد أسباب ظاهرية للأعياد، فهناك أخرى خفية تتمثل في تخليد أحداث معينة من قصص الآلهة لتمثل أمام الشعب في مناسبات مختلفة.

 

وأوضحوا أن الحياة المصرية القديمة احتوت على العديد من الأعياد وأيام العطلات، منها ما ارتبط بتقويم السنة، مثل أول العام، نصف الشهر بداية الفصول، ومنها ما ارتبط بالزراعة مثل البذر والحصاد والفيضان، ومنها ما ارتبط بالملك مثل التتويج والعيد الثلاثيني، لافتين إلى وجود أعياد ارتبطت بالحياة الجنائزية، أما أعياد الموتى فكانت أسرة المتوفي تزور خلالها المقبرة لإحضار الطعام له، وهي عادة منتشرة في مصر حتى الآن.

وأضافوا أن المصري القديم أعطى الأعياد أهمية كبيرة، حيث جعلها أيام عطلة رسمية لا يذهب فيها العمال إلى أعمالهم، كما تخبرنا وثيقة “دير المدينة”، كما ذكرت لنا لوحة حجر “بالرمو” عن وجود أعياد للآلهة، مثل عيد الإله “حورس”، وعيد الإله “سُوكر”، وعيد الإله “مين”، وعيد الإله “أنوبيس”، وعيد الإلهة “سشات”.

 

ومن خلال قوائم الأعياد الموجودة في معبد كوم أمبو ومعبد إدفو ومعبد إسنا ومعبد دندرة، يمكننا تتبع أعياد بعض من الآلهة، مثل الإله “حتحور” والإلهة “سخمت”، كما كانت هناك أعياد للعامة مثل عيد “شم النسيم”، وعيد الاحتفال بـ”رأس السنة”.

 

وأشاروا إلى أنه أثناء الاحتفال بهذه الأعياد كانت تضاف أناشيد للطقوس وتزين المعابد وتضاء وتقدم القرابين، ومن أهم طقوس الأعياد أن يشاهد الشعب تمثال سيده الإله الذي كان يخرج من المقصورة وينتقل إلى مكان ظاهر بعد أن تُزين بالتمائم وقلائد الذهب وتوضع في قارب، حيث كانت السفن بوجه عام تمثل للمصري القديم وسيلة النقل المعروفة والأكثر انتشاراً، وكانت توضع أمام الإله أعلام مزينة بصور إلهية، مثل ابن آوى “وب واوت” أى “فاتح الطرق”.

 

وعند الدخول للمعبد، يوضع تمثال الإله على قواعد حجرية عالية ليراها كل الناس ويقدمون القرابين والبخور والأدعية، وبما أن مصر بلد زراعية من الدرجة الأولى، فقد احتفل المصريون بعدد لا بأس به من الأعياد الزراعية، مثل أعياد النيل والحصاد في جميع أنحاء مصر، مثل الأعياد المخصصة للإلهة (رننوتت) إلهة الحصاد “الصيف”، وفي شهر كياك كانت تقام أعياد حرث الأرض التى يُمثل فيها (أوزيريس) الذي يموت ثم يبعث من جديد مثل الأرض التي ينمو فيها الزرع”.

ومن الأعياد ذات الأهمية الكبيرة أيضًا عند المصريين القدماء ما يُعرف بـ عيد (حب سد) أو العيد الثلاثيني، وفيه يتم الاحتفال بانقضاء العام الثلاثين لارتقاء الملك على العرش، حيث يظهر الملك وهو على عرشه في كامل قوته، والجماهير حوله فرحين مستبشرين منتظرين كلمة الملك التي يعدهم فيها بعيد ثلاثيني جديد ملئ بالرخاء والازدهار، ويُبرهن لهم ذلك من خلال إعادة بناء بعض مقاصير المعبد بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.

أما عيد (اللقاء الجميل) – هكذا كان اسمه – فقد كان المصريون يحتفلون به عندما يتحرك موكب المعبودة (حتحور) من معبدها بدندرة، حيث يحمل الكهنة مركبها – وحولهم الجماهير المحتشدة – ويتجهوا به جنوبا عبر نهر النيل حتى يصلوا إلى معبد إدفو حيث زوجها المعبود (حورس) لتقضي معه هناك خمسة عشر يومًا في لقاء جميل، وأثناء سير الموكب يتوقف عند مدينة (اسنا) حيث يُقدم حاكمها لمرافقي الموكب من الجماهير الغفيرة 500 رغيف من الخبز، و100 إناء من النبيذ، و30 كتفا من الماشية – فقد كان أهل إسنا ولا يزالون يُعرفون بكرمهم – وكان كلما أبحر الموكب جنوبا كلما ازداد عدد الجماهير، وأمام ادفو وعلى شاطئ النيل ينتظر حاكم إدفو – ومعه الكهنة والجماهير – موكب حتحور التي تحل عليهم ببهجتها فيزدادوا بهاءً وتألقا، فتُقدم القرابين وتُنشد الأغاني والتراتيل، وعند الوصول للمعبد؛ يصطحب المعبود حورس المعبودة حتحور بعيدًا عن أعين الجماهير فيقضوا معًا الأوقات الجميلة في سعادة وهناء، وتظل الجماهير محتشدة خارج المعبد يغنون ويرقصون لمدة خمسة عشر يومًا في انتظار خروج حتحور وعودتها إلى دندرة مرة أخرى!

وكشفوا أنه فى مدينة طيبة (الأقصر حالياً) كان المصريون يحتفلون بعيد (انتقال المعبود آمون من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر)؛ حيث يخرج الموكب من معبد الكرنك بقيادة الكهنة الذين يحملون على أكتافهم قوارب ثالوث طيبة (آمون وموت وخونسو) – وقارب آمون لوحده كان يحمله ثلاثون كاهناً – يخرجون من قدس الأقداس بالمعبد حتى يصلوا إلى شاطئ النيل فتُوضع القوارب المقدسة على قوارب حقيقية في النيل وتُبحر بهم جنوبًا نحو معبد الأقصر، وتحتشد الجماهير على ضفة النيل الشرقية تغني وتُنشد للموكب، كما تحتشد معهم الكاهنات اللاتي يغنين الأغاني المُبهجة ويرتلن الأناشيد المُفرحة وهنّ يحملن الآلات الموسيقية، وبسبب الازدحام تقوم الشرطة بتأمين الموكب والجماهير، وعلى شاطئ النيل أمام معبد الأقصر تقف المراكب ويحمل الكهنة قوارب الثالوث على أكتافهم وتسير الجماهير خلفهم مغنين فرحين، وتقوم النساء بالرقص والعزف بالآلات الموسيقية، وعند الوصول للمعبد يقوم الملك بتقديم القرابين والأضحيات، وتظل الطقوس تُقام بمعبد الأقصر لمدة عشرة أيام قبل أن يعود الموكب مرة أخرى إلى معبد الكرنك بنفس الطريقة؛ حيث تُقام الاحتفالات هناك لمدة أحد عشر يومًا أخرى. والعجيب أن سكان الأقصر الحاليين لا يزالون يحتفلون بمناسباتهم الدينية بنفس طريقة القدماء، ففي ذكرى مولد (أبو الحجاج الأقصري) يتنزه زواره من خلال الوقوف على شاطئ النيل وعبوره بالمراكب المزدحمة على شاطئيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى