كتّاب وآراء

الرؤيا (2)

لم أكترث كثيراً بنظرات أمي التي أصبح لديها يقين أنني مسني جن أو عفريت من قراءة الكتب الصفراء، قفزت علي الدرج الحجري الممنوع الي غرفتي اعلي البيت.

أغلقت الباب و كأني أريد أن أراجع حلمي لآخر مرة. أخرت كتاب الاستاذ الحكيم و قربته من أنفي،  و أغلقت عيني و كأني أشم رائحة الحي اللاتيني الذي لم أراه، و كأنني أنظر إلى فتاة شباك التذاكر المواجهة الي المقهي.

كنت قد رسمت خريطة من وحي خيالي نقلاً عن وصف الاستاذ توفيق الحكيم،  هواء ساخن تسرب من الشباك المتهالك أيقظتني من حلمي و نقلتني الي عالمي الأرضي والي واقعي المتهالك، اعرف ان مرجعيتي سيكون قد خرج من داره ، هذا موعده، أعرفه جيداً، كان لدينا توقيت غريب سوياً، توقيت اسمه رائحة الجبل، فقد أستقر في وجداننا أن الجبل له رائحة في وقت الغرب، طبقا لتوقيتنا تكون مرجعيتي قد أستقرت الأن علي دكته القديمة يكسوها شال من شعر الماعز وخلفه مسنده القطني القديم.

اغلقت باب الغرفة بعد أن وضعت كتاب الحكيم في جورنال ووضعته في جيب الجلابية حتى لا تراه أمي ، النزول من بيتنا الي الشارع الترابي الشبه ممهد كان اشبه بقوله تعالي وأمه هاويه،  إذ تشعر انك في طريقك الي جب سيدنا يوسف،  نزلت مهرولا،  نجوت من ان انكفي علي وجهي مرات، وصلت الي الطريق الممهد و يممت جنوباً الي معبد حتشبسوت،  حيث يسكن هدفي بجوار منه، أسرعت كان مسا خيط الجبل تطاردني،  ها أنا امام الساحة القديمة كما نطلق عليها في رشاقة غير معهودة اذهبت ما تبقي من وقار لي دلفت مسرعاً الي الشيخ أحمد، كأنه كان ينتظرني، نظر و ضحك و قال جاي في ميعادك “البردقوش” لسه سخن البردقوش شراب أقرب الي النعناع، لم أكترث بما قال، جلست و أخرجت الكتاب بسرعة و قدمته اليه ضحكة غريبة خرجت منه وقال لي: شئ أفزعني، مسك الكتاب وقال كلمات ارعبتني، النداهة يا محمد هي زارتك، أنا دايما كنت عارف انها حتخطفك. لم يكن مفهوم النداهة غريب علي وعلى أسرتي.

شقيق جدي أيضا خطفته النداهة، حاولت أقنع نفسي أن ما يقوله مجرد كلمات قلت له يا شيخ أحمد أنا مسافر، وهذا قراري نظر الي و نظر الي الكتاب و تمتم “عوض الله عليك يا حاج عثمان”، رفع رأسه ولم ينطق، كنت قد ازحت حمل ثقيل أن أخبرته بما قررت أعطاني الكتاب كأنه يقول لي كفي اليوم.

أنسحبت الي الطريق و كان الظلام قد بدأ يرخي ظلاله. الطريق خالي تماما أسمع فقط صوت أقدامي علي الحصي، وفجأه سمعت أقدام خلفي تسير وتسمرت من الخوف و الرعب، صرخة وافقدتني كل ما تبقي بداخلي من قوة، ومن خلفي يهتف الصوت وكان الجبل يهتف معه بكلمات ثلاث
حل العقد حل..حل العقد حل..حل العقد حل.
هنا دارت بيا الأرض ولم اعد أشعر بشئ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى