[ الصفحة الأولى ]أخبار

طوى.. المسارات المقدسة فى مصر

الجبلان يشهدان على الوادى، والوادى يشهد على الشجرة، والشجرة رأت نارا عرفت بعد ذلك أنها نور، نور هو الهدى، ورأت كيف دك الجبل دكا، وشهدت كيف خر الإنسان صعقا، فى الحوار المباشر الوحيد الذى دار بين الخالق والإنسان على الأرض، فى المكان الوحيد فى الكون كله، الذى تكلم وتجلى فيه الله سبحانه وتعالى، فى الوادى المقدس طوى.

الكعبة المشرفة هى أول بيت وضع للناس ببكة، فى واد غير ذى زرع، لا تزال تهوى الأفئدة له قبل الأجساد، فى رزق روحانى لا مثيل له، ومع ذلك، فإن رب العزة لم يتكلم عندها، ولم يتجل حولها أو عليها، إنما تكلم الله سبحانه وتعالى وبشكل مباشر يقينى، ثم تجلى تجليا لا يزال أثره واضحا للعيان، فى الوادى المقدس طوى فى صحراء سيناء، وهى قصة ثابتة فى كل الكتب المقدسة.
سيناء إذن ليست أرض الأنبياء فقط، وهذا شرف عظيم، فهناك الشرف الأكبر الذى لا يجعلها الموضع الأكثر قداسة على الأرض، بل يجعلها القداسة ذاتها، إذا كان هناك وصف للتجلى الأعظم، الذى يمنح سيناء ميزة الحج الأقدم.

تجمع الكتب المقدسة على إن الله سبحانه وتعالى كلم نبيه وعبده موسى عليه السلام تكليما فى سيناء، ويخبرنا القرآن الكريم أن ذلك حدث فى مرتين، الأولى عند رجوع سيدنا موسى من أرض مدين إلى مصر.
قال تعالى فى سورة طه: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)‏.

وقال تعالى فى سورة القصص: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30).
والمرة الثانية أثناء خروج موسى عليه السلام بقومه من مصر، وهى الرحلة التى تعرف تاريخيا باسم الشتات :

قال تعالى فى سورة الأعراف:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)} ‏.
….
إذن هناك تكلمان وهناك تجليان، أما الشجرة التى شهدت على ذلك فهى شجرة العليقة المقدسة التى لا تزال مخضرة الأوراق داخل دير سانت كاترين، ومن الغريب أن تلك الشجرة لا يوجد لها مثيل فى سيناء كلها، أى إنها شجرة العليق الوحيدة فى سيناء، ويقال إنه جرت محاولات عدة، لاستنبات تلك الشجرة فى مكان آخر ولم تنجح المحاولات حتى الآن.

أما الجبل فهو جبل الطور أو جبل موسى أو جبل الشريعة، حيث تلقى نبي الله موسى ألواح الشريعة، لكنه ليس جبل التجلى، فالكثيرون يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى تجلى لجبل موسى، أى للجبل الذى كان عليه موسى أثناء التكلم، إنما الحقيقة، إن الله سبحانه وتعالى تجلى للجبل الذى كان موجودا أمام جبل الطور الذى تم دكه، (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً)، والذين يذهبون ويصعدون إلى جبل موسى، يرون أمامهم جبلا مختلفا عن جبل موسى وجبل كاترين وكل الجبال الموجودة فى المنطقة، مختلفاً فى شكله وحجمه ومنظوره، وعلامات الدك أو الدكاك بادية عليه، كأنها حصلت فى التو واللحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى