فواتير الطاقة تطيح بـ250 ألف وظيفة فى قطاع السياحة ببريطانيا
: تواجه صناعة الضيافة في المملكة المتحدة تحدّيات عديدة، من ضغط ارتفاع التضخم وتكاليف الطاقة إلى النقص في المواد الخام والمهارات والموظفين. وتلفت الحانات والمطاعم والفنادق إلى أنّ ارتفاع فواتير الطاقة يعدّ التهديد الأكبر لبقائها على قيد الحياة. ولم يتوان العديد من المشغلين البارزين عن نشر بعض الأرقام الصادمة علناً في الأسابيع الأخيرة.
دفع هذا الأمر الحكومة للتدخّل في أكتوبر، ومساعدة ملايين الشركات على مواجهة تكاليف الطاقة المرتفعة، جزئياً بسبب الحرب في أوكرانيا. لكن عادت نواقيس الخطر لتدق مجدّداً مع اقتراب موعد انتهاء هذا الدعم في فصل الربيع، وتوقّع الشركات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، ارتفاع فواتيرها إلى أكثر من الضعف.
وأظهر مسح حديث أجرته مجموعة اتحاد الصناعة البريطانية (CBI) أنّه على الرغم من تراجع أسعار الغاز والكهرباء بالجملة عن ارتفاعاتها السابقة، فمن المتوقع أن تظل مرتفعة تاريخيًا في العام المقبل، وما يقرب من 700 شركة تتوقع أن تزيد تكاليف الطاقة لديها عن الضعف (151%) إذا أوقفت الحكومة الدعم اعتباراً من إبريل 2023 (بمجرد انتهاء صلاحية عقود السعر الثابت). لذلك دعت المجموعة إلى تمديد خطة إغاثة فاتورة الطاقة، لمستخدمي الطاقة المهمّين، إلى ما بعد نهاية مارس 2023 وتوفير دعم إضافي للتدفق النقدي للشركات الضعيفة وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
بدورها، حذرت كيت نيكولز، الرئيسة التنفيذية لـ”المملكة المتحدة للضيافة” (تمثل أكثر من 740 شركة تعمل في حوالي 100 ألف مكان في نطاق الضيافة في إنجلترا واسكتلندا وويلز)، من فقدان ما يصل إلى ربع مليون وظيفة في الشارع الرئيسي لقطاع الضيافة، في حال لم تمدّد الحكومة دعمها لفواتير الطاقة.
وقالت نيكولز إن هذه الصناعة تكافح بعد معاناتها من جائحة كورونا الطويلة، وإنّ العديد من الشركات لن تنجو من صدمة اقتصادية أخرى.
وتقدّر “المملكة المتحدة للضيافة” أنه إذا لم يتم تمديد الدعم فقد تضطر أكثر من عشرة آلاف شركة ضيافة لإغلاق أبوابها في العام المقبل، وهو رقم يوازي عدد الشركات التي أغلقت بسبب كوفيد، ممّا يعني فقدان حوالي 200 ألف وظيفة مباشرة و50 ألف شركة داعمة محتملة أخرى.
ويؤثر ارتفاع تكاليف الطاقة على الأعمال الفندقية وصناعة السفر في جميع أنحاء العالم، إذ كشفت أيضاً دراسة استقصائية حديثة لشركات “المملكة المتحدة للضيافة” أن متوسط أسعار الطاقة قد تضاعف، مما أدى إلى اتخاذ بعض الشركات قرارًا بقطع/ تقليص ساعات التداول أو رفع الأسعار.
ومن المعلوم أنّ اللاعبين الكبار قد يتمكنوا من امتصاص الصدمة، بيد أنّ صناعة الضيافة، المجزّأة للغاية، مكونة من العديد من اللاعبين الصغار، الذين يعجزون عن مواجهة الأزمة الفعلية. ففي المملكة المتحدة، يمكن أن تفلس حوالي ثلث الشركات في هذا القطاع بحلول أوائل عام 2023. وتعدّ تكاليف الطاقة التهديد الأكثر وضوحًا لربح الفنادق، حيث تلعب تأثيرات الارتداد المحجوبة أيضاً دوراً.
وفي الواقع، يواجه العملاء أنفسهم ارتفاعاً هائلاً في فواتير الطاقة، الأمر الذي يجبر بعض الأسر على تقليص إنفاقها التقديري. وبالتالي، من المرجح أن تواجه الفنادق والمطاعم عدداً متزايداً من الأسرّة والطاولات الفارغة، مما يؤدي إلى انخفاض الإيرادات والأرباح. وإلى جانب الفنادق والمطاعم، أغلقت بعض مناطق الجذب السياحي، وهو ما سيؤثر سلباً على جاذبية بعض الوجهات.
على صعيد آخر تستفيد من أزمة الطاقة هذه بعض الوجهات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي قد تحظى بفرص غير متوقعة. فعلى سبيل المثال، يبدو أن بعض وكالات السفر طوّرت “عروض قيمة” غير تقليدية، وتروّج لقضاء العطلات في هذه المناطق الدافئة خاصة إسبانيا، باعتبارها أقل تكلفة لسكان المملكة المتحدة من البقاء في المنزل، حيث قد تصبح التدفئة قريباً أكثر تكلفة من الإقامة في فندق.
وبما أنّ الحاجة أم الاختراع، يجد اللاعبون في مجال الضيافة أيضًا طرقًا إبداعية لخفض التكاليف. بدأ بعضهم في تقديم تجارب، منها “تناول الطعام في الظلام”.
وكذلك تستفيد المطاعم الصغيرة بشكل أكبر من وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، شارك مطعم نيجيري تديره عائلة في لندن، تم افتتاحه في عام 2020، نضاله للبقاء مع المتابعين له وحصل على أكثر من 600 حجز في 4 أيام لمساعدته على الاستمرار في ظل أزمة الطاقة.
في المقابل، قال الوزراء إنهم سيواصلون دعم بعض الشركات، في إطار مخطط أكثر استهدافاً بعد إبريل/ نيسان، لكنهم لم يحددوا بعد من سيستفيد، ومن المقرر نشر نتائج المراجعة بحلول نهاية العام.
إلى ذلك، أظهرت الحسابات الواردة في تقرير صادر عن شركة الاستشارات فرونتير إيكونوميكس، التي صدرت لصالح جمعية البيرة والحانة البريطانية (BBPA)، أن عودة فواتير الطاقة إلى معدلاتها العادية اعتباراً من إبريل/ نيسان ستؤدي إلى خسارات في الحانات ومصانع الجعة بنسبة 20% في المتوسط.
ويأتي هذا إلى جانب تضخم التكلفة لتطاول أجزاء أخرى من أعمالهم، بما في ذلك الطعام والشراب والسلع الأساسية والأجور.
تحدّث “العربي الجديد” مع موظفين في حانات ومطاعم للتعرّف إلى مخاوفهم من فقدان وظائفهم، فعبّر العديد منهم عن قلقهم، وألقوا باللوم على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث باتت أسعار الكهرباء في البلاد الأعلى مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي التي تتعاون وتساعد بعضها البعض في حل الأزمة.
وقال أحدهم إنّ الجنيه الإسترليني اليوم أقل بكثير مقابل جميع العملات الرئيسية تقريباً مما كان عليه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعل أي طاقة مستوردة أو وسائل إنتاج لتلك الطاقة أكثر تكلفة.
بالإضافة إلى ذلك، غرّد العديد من أصحاب المطاعم والحانات على تويتر عن الارتفاع الصاروخي لأسعار فواتير الكهرباء، منها: “كانت فاتورة الكهرباء الخاصة بصديقي الذي يملك حانة قبل الزيادة 740 جنيهاً إسترلينياً شهرياً، وقد ارتفعت الآن إلى 2050 جنيهاً إسترلينياً. سيؤدي هذا النوع من الزيادة إلى توقفه عن العمل في غضون أشهر”. وتغريدة تقول إن فاتورة الكهرباء ارتفعت من 600 جنيه إسترليني شهرياً إلى 1000 جنيه إسترليني في الأسبوع.
كذلك، طلب رؤساء أكبر ست سلاسل حانات في المملكة المتحدة من الحكومة حماية تجارة الجعة من الانهيار في شتاء عام 2023، مع مخاوف من أن سبعاً من كل عشر حانات بريطانية قد تغلق بشكل دائم بسبب الزيادة الثلاثية في فواتير الكهرباء.
حفّزت الأزمة الحالية الاهتمام بمصادر بديلة للطاقة، حيث يركز بعض أصحاب الفنادق في أوروبا على توليد طاقتهم من مصادر متجددة، استجابة لأسعار الغاز الطبيعي التي ارتفعت بعشرة أضعاف عن العام الماضي. وفي موازاة ذلك، بدأ المشرعون الأوروبيون أيضاً في العمل على حماية اقتصادهم.
ووافق الاتحاد الأوروبي بالفعل في أغسطس على حزمة إنقاذ نقدية بقيمة 280 مليار دولار أميركي، لمساعدة الشركات في خفض فواتير الطاقة الخاصة بهم. علاوة على ذلك، قررت بعض الحكومات الوطنية اتخاذ إجراءات محددة تؤثر على صناعة الضيافة، فمنذ بداية أكتوبر، لا يُسمح للفنادق في إسبانيا بتبريد الغرف تحت 27 درجة مئوية أو تسخينها فوق 19 درجة مئوية.
ومع ذلك، فإن الطريق نحو الفنادق والمطاعم الموفرة للطاقة البديلة، لا يزال شاقاً كما ذكر الشيف تييري ماركس الحائز على نجمة ميشلان، “نحن في وسط أزمة طاقة وأزمة بيئية، لا يمكننا افتراض أن هذا الامر لا يهمنا لأننا ندير مطعم. لقد جاء الوعي في بعض الأحيان متأخرًا بعض الشيء في هذه المهنة، ولكن اليوم هناك عدد قليل جداً من أصحاب المطاعم أو الفنادق الذين لا يرغبون في إجراء هذا التحول”.
يرى خبراء أنّ الجانب المشرق لهذه الأزمة قد يكون التخلص التدريجي السريع من الوقود الأحفوري. وسواء كان ذلك بالسرعة الكافية سيعتمد على سياسات البلدان الخاصة بكل منها.