أنوشكا: أنا «بنت مصر» ولو كنتُ رجلًا لدخلتُ الجيش
اسمها الحقيقي (قرتانوس جاربيس سليم)، و»أنوشكا» الاسم الذي اختارته لها والدتها ومعناه الشيء الحلو المسكر.. ولدت في حي مصر الجديدة لأب مصري من أصول أرمينية وأم أرمينية . التحقت بمدارس كالوسديان الأرمينية حتى الثانوية العامة، ثم التحقت بالجامعة الأمريكية قسم سكرتارية وإدارة أعمال. عملت كموظفة بشركة استثمار أجنبية، ثم في شركة طارق نور للإعلانات كمغنية إعلانات.
من هنا يبدو أن الرحلة بدأت في تلك الفترة، شاركت في مسابقة نظمتها منظمة «الفيدوف» العالمية وتقدمت بأغنية فرنسية لتفوز فيها بالمركز الأول، وبدأت في الاشتراك في المهرجانات العالمية للغناء، وفي عامي 1987 و1988 اشتركت في مهرجانات فنلندية وتشيكوسلوفاكية وبلغارية وتركية وكذلك في أمريكا اللاتينية. ليأخذها الغناء في رحلة مختلفة، حتى يختارها المخرج صلاح أبو سيف للاشتراك في فيلم (السيد كاف) عام 1994، لتتوالى بعد ذلك أعمالها التمثيلية، (قانون المراغي، سرايا عابدين، السيدة الأولى)، وفي الرحلة أصدرت ألبومات (حبيتك، ناداني، تيجي نغني، أبين زين، كداب)…
كيف كان شكل حياتها «لما كنا صغيرين» في حواري معها لم أتطرق لأي من محطاتها الفنية الراقية.. لكننا سافرنا إلى نقاط أكثر عمقا ومحبة لها… للطفولة وأيام الصبا.. وكل حلو كان فيهما لتحكي ذكرياتها كطيف حالم مثل صوتها تماما.. وكانت تسردها كأنها حكاية لم تكتب نهايتها بعد.. وتلك كانت تفاصيل الحكاية..
بنت من مصر
«جذور أهلي صحيح في أرمينيا، لكني بنت مصر وولدت فيها.. ولو كنت ولدا، كان المفروض أن أدخل الجيش».. بتلك الجملة بدأت أنوشكا حكاية الطفولة والأهل.. أخذت تتحدث برقي عن جذورها وتقول: «حين أتحدث معكِ عن الجذور أتذكر تفاصيل الماضي وحكاياته عند سنة 1915 لما حدثت مذبحة الأرمن على يد الأتراك وقُتل على إثرها مليون ونصف المليون أرمني، فانتشر آلاف الأرمن في كل أرجاء العالم، وكثيرون منهم، نزلوا إلى مصر.. منهم أهلي.. دخلوا في النسيج المصري.. فلم يعد يفرق أحد بين مواطن مصري وأرمني لاجئ.. حتى صار منا رئيس للوزراء يوما، كنوبار باشا الذي يعلم هواة التاريخ أنه من أصل أرمني أيضا.. ومئات الأطباء والمدرسين وقتها في مصر كانوا من الأرمن.. وكذلك أشهر الجواهرجية. كما لا تُنكر طلة وخفة فيروز الصغيرة وهي ذات الأصول الأرمينية أيضا.. فبرغم فخري بمصريتي فإنني لا أنسى جذوري الأرمينية.. ولو أجرينا مقارنة بين أرمينيا ومصر.. لن نجد فوارق كبيرة تُذكر، يمكن تعداد السكان هناك أقل بكثير، لكن الطباع والعادات واحدة، احترام البيت والأسرة واحد هنا وهناك.. الالتزام بشكل عام تفاصيله واحدة في البلدين، ذهبت إلى أرمينيا في طفولتي ثلاث مرات، وكانت آخر زيارة قبل شهر من انتشار وباء كورونا منذ عامين، كنت أشارك في الأسبوع المصري هناك، وشرفت بأن كنت جزءا من هذا التعاون الجميل، وشاركني الحدث فرقة رضا، فشعرت بدفء عادتنا وتقالدينا المتقاربة للغاية التي ما زالت باقية إلى الآن».
أول يوم سينما
ولأن السينما كانت عشق أنوشكا الذي بدأ في صباها، كانت فسحتها الأهم في البيت مع عائلتها، كانت الجائزة والعقاب في الوقت نفسه إن تصرفت على النحو الذي لا يعجب والداها.. كان والدها دائما ما يذهب بهم إلى السينما كل ويك إند مع أسرتها.. لكنها لا تنسى إلى الآن تفاصيل أول يوم سينما بمفردها.. تتذكر لنا هذا اليوم وتقول: لن أنسى أبدا هذا اليوم.. كان فيلم كلمة شرف لأحمد مظهر وفريد شوقي، أذكر كيف أثر هذا الفيلم عليّ بشكل كبير لا تتخيلينه.. فحتى اليوم لا أخلف كلمة أو وعدا أعطيته لأحد مهما كان.. بسبب فيلم كلمة شرف.. ودخلته في سينما ديانا مع أصحابي وكان عندي 13 سنة، وكانت المرة الأولى التي يسمح لي فيها والدي بعد إلحاح مني شديد بالذهاب إلى السينما وحدنا».
برج الحوت الأكثر شاعرية
أما عن قصص الحب في المراهقة، فلم تذكر لي حكايات عن ابن الجيران، ولا عن حب في المدرسة، لكنها قالت لي بصوت دافئ: كيف أنها كانت شخصا عاطفيا طوال حياتها مع كل المقربين منها: «بطبعي إنسانة عاطفية للغاية، ولكنني لست حالمة، لا أبني قصورا فوق السحاب، ومع ذلك لا أتنصل من قيادة مشاعر الحب لكل شيء في حياتي.. حياتي كلها مغلفة بمشاعر الحب، ولكنني أؤمن أيضا أنه ليس بالحب وحده يمكننا العيش، فلا أتجاوز لمن أخطأ في حقي بدافع الحب، ولا أسامح كثيرا.. الحب في المطلق لا أحبذه.. أنا من برج الحوت، والمرأة في الحوت هي الأكثر شاعرية».
أحلى ما في العيد.. الكحك والشجر
سألت أنوشكا عن الأعياد وذكرياتها فيها قالت: «أحب العيد بسبب الكحك، وكنت أحب هدايا الجيران منه وأنتظره من العيد للعيد.. وكذلك أعشق شجرة عيد الميلاد، أحبها بشكلها المبهر وحجمها الكبير، ولكن صرت أكثر حذرا في اقتنائها كل عام، بسبب تسببها في حريق ببيتنا، كنا نوقد الشموع، فحُرقت شجرة عيد الميلاد.. ومن يومها صرت أتذكر هذا المشهد، قدر انبساطي بها، لا يغيب عني المشهد المخيف.. ولكن رؤيتها مزينة في البيوت والشوارع تسعدني».
يحيى شاهين حب غير عادي
طالما لم يكن لها قصة حب في المراهقة، بالتأكيد كان لها فتى أحلام، وممثل تحبه على الشاشة قبل أن تصبح نجمة عليها، استرجعت ذكرياتها في ذلك وقالت: «لن أنسى أبدا هذا اليوم، كنت في بداياتي وقابلت أستاذنا الكبير يحيى شاهين.. كان موجودا في البرنامج نفسه الذي كنت أشارك فيه ضيفة، ظللت أنظر إليه ولا أنطق، أثبت نظري عليه دون كلمة.. كان ينظر لي ويبتسم، وأنا لا أحرك عيني من عليه لأنه أمامي بنفسه… كنت أحبه بشكل كبير، لم أكن أعرفه طبعا على المستوى الشخصي، لكنه كان مبهرا وله من الهيبة القدر الذي جعلني لا أنطق أمامه وهو نجمي المفضل وقتها.. كان إنسانا جميلا، هو وأحمد مظهر ومحمود مرسي، الثقل والرقي اللذان لن يتكررا».
بيت الجدة وبيت العيلة
أما ذكرياتها عن بيت الجدة فقالت: «كان البيت في مصرالجديدة، وما زال موجودا، كل يوم خميس كان لزاما على والدي أن يأخذنا بعد المدرسة الساعة الثالثة عصرا.. وهو موعد لا يخلفه أبدا.. لنذهب إلى جدتي في مصر الجديدة، مدرستي كالستوان كانت في شارع الجلاء، والتي هُدمت من فترة، نصل إلى بيت الجدة، نجدها في انتظارنا وقد أعدت لنا أنا وإخوتي طبق بطاطس بالبيض أكلتنا المفضلة عندها، وأجلس بعدها أمام التليفزيون فألحق مشاهدة الفيلم الأبيض وأسود.. وبعدها نأكل فراولة بالسكر التي تضعها أمامنا الجدة ونحن نشاهد التلفزيون.. ينتهي وقت الدلع.. ونجلس لإنهاء الواجب، قبل أن يأتي الليل وتنضم إلينا بقية العيلة. في أحلى لمة لا ننساها إلى الآن. أما الجمعة صباحا فكانت ساعات الدلع الأكبر «والمياصة، الفطار أشكال وألوان.. وكنا نلعب في البلكونة مع أولاد وبنات أعمامي وعماتي» كانت بلكونتنا كبيرة تسع لعبنا وضحكنا، والعصر أتذكر جيدا كيف كنت أحب الجلوس مع جدتي، تعلمني «الكانفاه»، ولن أنسى أجمل أكلة «كوبيبة» من صنع يديها، ونعود إلى بيتنا الجمعة ليلا لنحضر أنفسنا إلى المدرسة من جديد».
التلفزيون وأحلى برنامج أطفال
«كنت أتابع مسلسلات أجنبية وقتها كثيرا، لكن أحببت متابعة مسلسل «العائلة والناس» لعقيلة راتب الجميلة وكذلك برنامج «النادي الدولي» لا يمكن أنساه، صحيح هو ليس برنامجا للأطفال، لكنه أول برنامج ظهرت فيه، وأذكر كيف كنا نقف أمام مبنى التلفزيون بالساعات لعلنا نحظى بفرصة الدخول والمشاركة فيه».
رياضة ولعبة
«كنت ألعب كرة السلة وكنت صانعة ألعاب ماهرة جدا، لكنني كنت أراها لعبة خشنة بالنسبة لي، فلم أكن أحب اللعب العنيف، فلعبت بعدها تنس الطاولة التي كانت واحدة من أجمل اللعبات التي لعبتها في صغري.. إلا أن الفروسية كانت الرياضة الأجمل والأقرب على الإطلاق لأنني أعشق الخيل إلى الحد الذي لا تتخيلينه».
تربية ماما وبابا
«عقاب ماما كان الشبشب.. كان يطير في الهوا حين تفقد أعصابها علينا.. والنظرة الصارمة تعرفني غلطتي كان لازم قبل خروجي من البيت، يكون مكتبي مرتبا وكذلك سريري.. وإلا لن أخرج مهما فعلت.. أما عقاب بابا فكان في حرماني من ذهابي إلى السينما، لأنه كان يعلم مدى تعلقي وعشقي لها.. وكذلك التمثيل، فكان العقاب الأصعب على الإطلاق..
ومع ذلك كانت تربيتنا أساسها الحرية، لم يكن هناك أي موضوع يصعب علينا نقاشه مع أمي أو أبي.. كل الموضوعات مطروحة للنقاش في بيتنا، المهم صاحب الكلمة الأخيرة.. ومع صرامتهما وحنيتهما علَّماني ألا أظلم أحدا، ولا أقبل بظلم أيا كان، علمت أولاد إخوتي وكذلك أولاد أصحابي المقربين ألا يتركوا حقوقهم أبدا، لكن أخذ الحق حرفة، صحيح كان أبي يتمنى أن ينجب ولدا، ليساعده في عمله بالمصنع، كبرت وتحملت المسؤولية لأساعده قدر استطاعتي فلم يندم أبدا أنه أنجب البنات، حقيقي مبسوطة جدا بتربيتهما لي».
أسوان أجمل ذكريات
«لا أنسى أبدا أسوان وسفرياتنا إليها سواء مع العائلة أم في الجامعة، كانت أول سفرية بمفردي مع الجامعة لي فيها ذكريات جميلة، والمبيت في القطر وضحكي مع أصحابي، وبالمصادفة، لما سافرت إلى أسوان أثناء تصوير مسلسل جراند أوتيل، كان هو الفندق نفسه الذي كنت أسكنه وقت سفري مع أصحابي، وطلبت حينها أن أخد الغرفة نفسها التي كنت أبيت فيها أيام الجامعة، لأعيش التفاصيل نفسها.. كانت الغرفة نفسها ولكن باختلاف الديكور طبعا».
مرسى مطروح مصيف العائلة
«مصيفنا لما كنا صغيرين.. كان مرسى مطروح، كنا نسافر أكثر من أسرة، أصحاب أمي وأولادهم، الصبح نأخذ «الكرتة» وبعدها المركب التي تذهب بنا إلى جزيرة منفصلة في أجمل شواطئ مطروح.. نستمتع بالبحر إلى الساعة الثالثة عصرا.. ويرجعنا المركب للبلد.. كل واحد يأخذ دوره في الاستحمام، حتى تعد أمهاتنا الغذاء، ونتجمع مرة أخرى حتى ينتهي اليوم، ونبدأ أحلى منه في الصباح».
لما سألتها عن أحلى فترة في حياتها، قالت: «أغاني الثمانينيات أحلى فترة في حياتي».
البيانو الحلم الذي لم ينته
تحكي أنوشكا عن حلمها الذي تتمنى وتعود لتحقيقه: «كان عندي عشر سنوات حين كنت ألعب على البيانو، ولكنني للأسف كأي طفلة متمردة في سني وقتها تركته حين كانت تشد عليّ مدرسة البيانو لأتعلم أفضل.. تمنيت لو أرجع بالزمن.. سأعود لأتعلم البيانو من جديد».