ما مستقبل سياحة الجولف في السعودية؟
أزعم أنني كنت من “كباتنة” كرة القدم في حارتي العتيقة في مدينة الطائف العريقة، بل تعدت خبرتي في مجال الرياضة إلى ألعاب شعبية كنا نمارسها في الشارع، وكان جمهورنا مجموعة من الأقران وبعض المارة الذين تستوقفهم صيحات الحماس التي يصدرها المتسابقون. كانت لعبة (الليري) و(البرَجون) و(رَنّ) من الألعاب الرياضية التي كانت تتطلب قدراً كبيراً من التركيز مع دعمه ببعض التشجيع من الأقران. أمَّا أن احمل في يدي عصا غولف فلم تكن تخطر لي على بال، فرياضة الجولف لم تكن معروفة ولا مشهورة في ستينات القرن الماضي ليس على مستوى مدينتي الصغيرة، بل على مستوى المملكة وربما العالم العربي أيضا. هذا ما قاله صديقي الذي تجاوز العقد السادس من العمر ويضيف..
إلى ملاعب الجولف
فجأة تحولتُ – ربما لعامل السن- إلى قائمة المهتمين برياضة الجولف، لم تكن قصة عشقي لها خافية. ففي إحدى رحلاتي السياحية إلى فرنسا أخذنا المرشد السياحي لمشاهدة إحدى بطولات الجولف في ملعب عشبي بالقرب من باريس. في البداية تذكرت تلك الطرفة التي يقول فيها أحد الخدم المرافقين لمشجع كرة قدم وهو يشاهد اللاعبين يجهدون أنفسهم لتسديد الكرة في مرمى الفريق المنافس: لماذا يكلف هؤلاء السادة أنفسهم هذا العناء، لو كلفوا بعض الخدم بتسديد الكرات في المرمى لأراحوا أنفسهم. وبتفكير ساذج قلت: لماذا لا يكلف الأثرياء العاملين لديهم لوضع الكرة البيضاء في الحفر ويذهبوا للاستمتاع في مكان آخر. لقد رأيت أنها عملية مجهدة ومكلفة وصعبة.
تساءلت مع صديقي: ماهي المتعة في تحريك كرة صغيرة حول شجرة أو قذفها لتتجاوز البحيرة المائية؟ ما هذا الشغف الغريب؟
يبدو أن الأمر يحتاج إلى الكثير من الدراسة، ولكني تساءلت مجدداً عن جدوى هذه الدراسة؟ فالأمر بسيط وواضح ولا يحتاج إلى دراسة! كل ما في الأمر أن أمسك بعصا الجولف بإحكام، ثم أضرب الكرة بعد أن ” أقنص” على مكان الحفرة المطلوبة، وهناك احتمال بسقوطها في ذلك الثقب وأكرر ذلك مع الثقوب الأرضية الأخرى وانتهى الأمر.
يبدو أن الأمر كان بعيداً عن مجال تفكيري المتواضع. لا يمكن أن أطمئن لقدرتي على الاستيعاب، يبدو أن الأمر أكبر من ذلك.
“جاك نيكلوس” مصدر الالهام!
سأنقل لكم خبرا سعيدا، على الاقل بالنسبة لي ، ربما تسمعون يوماُ أن “جاك نيكلوس” أسطورة لعبة الجولف أبدى امتعاضه الشديد من منافس شرس جديد .. إنه أنا، أكاد أجزم أن روحه الرياضية ستتقبل وجودي، قرأت أن “نيكلوس” كان مصدر إلهام لكثير من عتاة لعبة الجولف. ترى هل سأكون أحدهم، ربما، رغم أن ذلك قد ينقلني من قائمة المنافسين للسيد “نيكلوس” إلى قائمة تلاميذه!!
بطل عالمي جديد
في إحدى دورات التنمية البشرية قال لنا المدرب وهو يحدق بعينية : (قلد البطل تصبح بطلاُ مثله) وهنا تساءلت ترى كيف تصرف جاك حتى وصل إلى ما وصل إليه؟ نقلوا عنه أنه قال “يجب أن يكون لديك خيال”!
توجهت إلى مدينة الملك عبد الله الاقتصادية. أخبرتهم أن بطلاً جديداً قادم إليهم يملأه حماس منقطع النظير. طبعا لم يحفلوا بذلك، ولكنهم لم يعاملوا الأمر باستخفاف كبير. هذا لا يهم فقد كنت مفتونا بهذه اللعبة التي يمارسها الكثير من الأثرياء علني أكون واحداً منهم في يوم من الأيام.
وقفت على تلة تشرف على ملاعب الجولف الخضراء.. المنظر أخَّاذ حقاً، ولكن كثرة الأعلام المغروسة على الأرض أربكتني. مرافقي طمأنني أنها مجرد علامات تدل على الثقوب (الحفر) التي يتنافس عليها المتسابقون. سألتهم عن عدد من سينافسونني على البطولة. لم يجبني أحد. قلت في نفسي: حسنا.. لا يهم. وطلبت منهم ان يُخبروا منافسيّ أنني بمجرد استخدام مضربي فعلى الآخرين أن يتنافسوا على المركز الثاني، مرافقي أكد لي أنني سأسحق منافسي دون هوادة. رفعت يداي مع قفزة النشوة بالفوز المرتقب.
غولف السعودية.. مكانة عالمية
الأحداث الرياضية العالمية تتوالى، وأصبح لهذه الرياضة قيمة ومكانة، وأفضل لاعبي العالم يأتون إلى المملكة للمشاركة في المسابقات والبطولات التي ترعاها كبرى الشركات العالمية مثل “أرامكو” و”مجموعة سوفت بنك للاستشارات الاستثمارية” واتجهت أنظار العالم إلى المملكة عبر بث 200 محطة تلفزيونية. هناك اتجاه قوي للتعاون بين غولف السعودية والاتحاد الأوروبي للجولف مما يعزز من مكانة هذه اللعبة على مستوى العالم.
تاريخ رياضة الجولف
ولكن ما هو تاريخ هذه اللعبة الساحرة؟
يعود تاريخ هذه الرياضة إلى أكثر من 500 عام، وهي اللعبة الوحيدة التي مورست على سطح القمر من قبل رائد الفضاء الأمريكي “آلان شيبرد ” وانتشرت المنتجعات والفنادق الفاخرة التي تقدم رحلات متخصصة إلى ملاعب الجولف في الدول المتقدمة.
حتى وقت قريب كادت رياضة الجولف أن تكون رياضة خاصة بالأثرياء فقط، ولكن يبدو أنها لم تعد كذلك في الوقت الراهن. يقدر عدد لاعبي الجولف حول العالم بأكثر من 65 مليونًا منهم قرابة 8 ملايين يسافرون دوليًا بانتظام لممارسة اللعبة في الهواء الطلق على مساحات عشبية أو رملية كبيرة تصل في بعض الملاعب إلى حوالي 7 كيلومترات تتخللها مرتفعات وحفر ضيقة ومجاري مائية.
تشهد سياحة الجولف زيادة بنسبة تصل إلى حوالي 10 في المئة كل عام وخصوصاً في القارة العجوز، في عام 2008 كان لانهيار سوق الاسهم أثر كبير في تراجع الاقبال على هذا النوع من السياحة.
تعد اسكتلندا مهد رياضة الجولف، اما كاليفورنيا فتضم مجموعة من أفضل ملاعب الجولف في الولايات المتحدة، وتحتفظ ايرلندا بتاريخ حافل بعدد من اشهر المسابقات في عالم الجولف. أما استراليا فتعد المنطقة الأعرق والأكثر إقبالا لممارسة رياضة الجولف. كما تشتهر كلا من بورتوريكو وفلوريدا بوجود منتجعات خاصة وأكاديميات ومدارس لتعليم الجولف. وتعد إيطاليا هي الدولة الأوروبية التي جمعت بين رياضة الجولف وبين الطبيعة والمواقع التاريخية حيث تضم 300 ملعب غولف من أهمها “أولجياتا غولف كلاب روما”، و “كاستل كونتربيا” خارج ميلانو. كما تتمتع فرنسا بمزايا كبيرة في جذب العملاء ذوي القيمة المضافة العالية. فعلى سبيل المثال تقدر عائدات لعبة الجولف في فرنسا ما بين 350 و400 مليون يورو سنويا. أما أفضل وجهات الجولف الدولية فتأتي البرتغال وأسبانيا في مقدمة هذه الدول.
في أفريقيا تواجه بعض الدول ركوداً طفيفاً في سياحة الجولف بسبب التوترات الجيوسياسية، وبعض الدول الأفريقية ستبرز خلال فترة ما بعد كورونا من حيث حجم لاعبي الجولف على المدى المتوسط على عكس جمهورية مصر العربية التي أصبحت ملاعبها محطة مهمة لعشاق رياضة الجولف من مختلف دول العالم.
أما الدول الآسيوية فهناك انتعاش في سياحة الجولف في العديد من الدول ومنها تايلند، الهند، ماليزيا، سنغافورة، الامارات العربية المتحدة السعودية ،عمان ،البحرين.
مستقبل الجولف في السعودية
ولكن ما هو مستقبل رياضة الجولف في السعودية؟
استطاعت المملكة العربية السعودية تحقيق سمعة عالمية في ممارسة هذه الرياضة وأثبتت وجودها في فترة زمنية قياسية. ولأهمية هذه الرياضة في دعم الحركة السياحية وتوفير فرص عمل للمواطنين فقد أعلنت شركة جولف السعودية عن استراتيجية طموحة” تبحث عن ضمان تبني أفضل الممارسات ودعم فرص الابتكار بما يتماشى مع أهداف الدول الباحثة عن تقديم أفضل التجارب والممارسات، كما تهدف الى بناء استراتيجية بيئية قادرة على وضع المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول الداعمة لتنمية البيئة، فالاهتمام بالبيئة يشكل جزءاً بالغ الأهمية في طريق التحول الوطني”. كشفت شركة جولف السعودية عن استراتيجيتها البيئية التدريجية والهادفة إلى “صناعة ملاعب جولف مستدامة وصديقة للبيئة.. إضافة إلى إنشاء مزرعة حديثة للعشب في المملكة تلبي أعلى معايير الاستدامة الدولية بهدف تزويد جميع جولف السعودية بمتطلبات العشب الضرورية، مما يساهم في تقليل تكاليف النقل مع ضمان توفر الأعشاب القادرة على التكيف مع الظروف البيئية عبر استغلال كميات أقل من المياه.”
ولكن ما هي الجدوى الاقتصادية والسياحية من تنظيم بطولات الجولف الكبرى في المملكة؟
البنية التحتية المتكاملة
تؤكد تصريحات المسئولين في شركة جولف السعودية على أن هناك دوراً مهماً يتلخص في وضع البنية التحتية الأولية ” إضافة إلى دورها في تسليط الضوء على العمل الرياضي المقدم في السعودية والهادف إلى تأكيد جدية الخطوات المتخذة في الطريق إلى أن تصبح وجهة للاعبي الجولف.” وهناك جهود تبذل لاستطلاع آراء كبار المسئولين ومقترحاتهم حول آليات تطوير رياضة الجولف من خلال استضافتهم في قمة أعمال عبر سلسلة من المناقشات التي ستتطرق إلى اسهام اللعبة في الجوانب السياحية والاقتصادية وغيرها، بهدف انشاء منصة لممارسة الأعمال التجارية في اللعبة.
أهداف طموحة
يبدو جليا أن المشاركات والعضويات ستشهد زيادة كبيرة خلال الفترة القادمة ويتجلى ذلك فيما أعلنته شركة جولف السعودية أنها “ وضعت سلسلة من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بحلول العام 2030، من بينها نمو عدد أعضاء نادي الجولف إلى 20 ألف عضو ومشاركة أكثر من مليون سعودي في تجربة لعبة الجولف، واستقطاب 5000 زائر دولي سنوياً من الممارسين لرياضة الجولف، واستضافة 60 ألف زائر ضمن فعاليات الجولف في السعودية سنوياً، إضافة إلى الاشراف على بناء أكثر من عشرين ملعباً جديداً”.
السعودية إلى الواجهة
تستعد السعودية بما تملكه من مقومات طبيعية وتنوع طبوغرافي فريد لتكون واحدة من أهم وجهات سياحة الجولف في العالم. فعاليات الجولة الاوروبية للجولف، والجولة الأوروبية لجولف السيدات كانت من أهم ما استضافته المملكة من الفعاليات التي شهدت إقبالاً كبيراً وتغطية إعلامية واسعة. هناك من يرى أن المشاريع الجديدة سيكون لها أثر أيجابي كبير في زيادة الوعي بالرياضة على المستوى المحلي وتعزز مكانة المملكة عالمياً في هذا النوع من السياحة الرياضية وهي ستشجع وتجذب سكان المملكة على ممارسة اللعبة الرائعة، وتوفر فرص عمل للمواطنين.
في الوقت الراهن تملك السعودية 14 ملعبا عشبياً ورملياً، منها 4 ملاعب عشبية في الرياض وهي نادي الرياض للجولف، وملعب نوفا ونادي ديراب ونادي أريزونا أما الملعب الجديد الذي سيقام في القدية فمن المتوقع أن يكون استثنائياً مما يؤهلها لأن تكون من أهم الوجهات التي يقصدها عشاق لعبة الجولف خلال السنوات المقبلة خصوصا بعد الانتهاء من بناء الملاعب العشرة الجديدة التي أعلن عنها لتعزيز البنية التحتية لهذه اللعبة.
منطقة القدية والملاعب الخاصة
” الدب الذهبي” هو لقب من سيصمم ملاعب الجولف في القدية وهو ” جاك نيكولاس” الذي يعد من أعظم اللاعبين في تاريخ رياضة العالم. يعده الكثيرون أسطورة الجولف والأكثر تتويجاً في تاريخ اللعبة في العالم.
تعد منطقة الجولف في القدية نقلة نوعية لرياضة الجولف وهي تضم فندقاً ومنتجعاً صحياً على أعلى المستويات العالمية إضافة إلى مرافق سكنية حصرية مما يسهم في تعزيز مكانة القدية كأول ملعب غولف وناد خاص في المملكة مما يجعل من المتاح استضافة أرقى البطولات العالمية ويوفر فرصة للاعبين الهواة للاستمتاع بالرياضة وتطوير مهاراتهم.
يرى المتابعون أن النجاح الكبير الذي حققته فعاليات بطولة أرامكو السعودية للجولف كان له تأثير كبير في تشجيع السيدات على المشاركة في رياضة الجولف التي أصبحت المملكة معها على رأس قائمة الداعمين لرياضة الجولف النسائية في العالم، وأنه سيسهم في تعزيز فرص نجاح النجوم السعوديات في هذه الرياضة.
يستثمر العاملون في السياحة والمهتمون برياضة الجولف – تجاريا – بتشجيع الأجيال من سن الأربعين فأعلى على ممارستها على نطاق واسع، أما الفئة العمرية الأقل وخصوصاً الشباب فهناك بعض العوائق التي تقف أمام مشاركتها بشكل أكبر ومن ذلك على سبيل المثال عدم توفر الوقت المطلوب لممارسة هذه الرياضة التي تتطلب فترة من الوقت تمتد إلى أربع ساعات في معظم الأحوال.