محمد عبد اللطيف يكتب: سياحة فى عوالم مجهولة (3)

ليس عيباً أن يبحث الإنسان عن جزور ليصل رحمه، بالتعرف على أهله وذويه، ممن هاجروا من قراهم ومدنهم بحثاً عن لقمة العيش، واستقروا فى مجتمعات أخرى، ترسخت فيها أوضاعهم الأسرية والمعيشية، وعمقوا علاقاتهم بمصاهرات أو شراكة فى زراعة أو تجارة، وما شابه ذلك من الأمور الحياتية.
أما العيب كل العيب فهو الشعور بالدونية، كون الشخص فقيراً أو مهمشاً فى محيطه، ويلجأ إلى الأساليب غير المنطقية لإثبات أنه “أصيل” رغم درايته ويقينه بأن الأصيل، ليس بالإنتماء إلى عائلة ميسورة، أو قبيلة ذائعة الصيت، إنما بنتاج النشأة والتربية والسلوك ومعطيات أخرى تعليمية دينية وثقافية، جميعها يصنع المكانة المرموقة والسمعة الطيبة.
والمُدهش أن محاولات إكتساب صفة الأصيل من الإنتماء العائلى، طالها الكثير من المغالطات وأساليب التزوير المادى والمعنوى، أى أن الأمر لم يقتصر على إستخراج أوراق نسب فقط، بل إمتد إلى إبتكار الأكاذيب وإصطناع القصص التى لا يوجد أى دليل علي صحتها.
وطالعت وطالع غيرى حجم الـ “هوس” وكم الإدعاءات التى لا ترقى لمستوى المنطق ولا يقبلها العقل، فمعظم ما يتم تداوله على “جروبات” موقع التواصل الإجتماعى فيسبوك يدور فيما سبق، لعل أبرز الأكاذيب التى يتم ترويجها بسخاء شديد، هى التى يمكن أن نستنتج منها أن عدد سكان مصر يقارب المليار نسمة أو يفوق، هذا إذا جمعنا الأعداد المتداولة عن المنتمين للعائلات والقبائل، بالقول أن عائلة فلان بفروعها تتجاوز 5 ملايين، وعائلة علان المنتشرة فى بر مصر عددهم كذا مليون، وعائلة ترتان سواء فى الصعيد أو بحرى يبلغ عددهم كام مليون، وهكذا بالنسبة للقبائل المتنوعة، ناهيك عن العائلات التى تكتسب مسمياتها من الحرف والوظائف.
وتبرز على سطح المسميات الموجودة فى غالبية قرى مصر عائلات كثيرة، إكتسبت ألقاب وظائفها، مثل الوكيل “من ينوب عن المُلتزم”، والكاشف “مسئول الرى”، والقاضى “القاضى الشرعى”، والخولى “المشرف على الزراعة وجنى المحصول فى الإقطاعيات والعزب”.
فهذه نوعية من الوظائف التقليدية فى آلاف القرى والإقطاعيات ولا يوجد ثمة رابط بين من يعمل هنا أو يعمل هناك، سوى مسمى الوظيفة ذاتها، وما ينطبق على الوظائف هو نفسه الذى ينطبق على الحرف العادية، التى إكتسب العاملون بها مسماها، مثل السمان، النجار، الحداد، الحجار، الغنام، الصواف، الصايغ، الخيام، العطار، اللبان، العسال، الزيات، الجمال، السروجى، الطحان، وغيرهم وغيرهم الكثير والكثير على إمتداد المحروسة.