هل اصبح التنجيم صرخة كل موسم وبدعة تشعل مواقع التواصل الاجتماعي؟

تعلق الإنسان منذ القدم بالظواهر العلوية، وخلع عليها صفة التقديس. فقد اعتُبِرت النجوم والكواكب منازل الملائكة والآلهة – حسب اعتقاد القدماء –، وعُبِدت على هذا الأساس، ولاسيما الكواكب الخمسة (الخُنَّس) والنيِّرين (الشمس والقمر). ومن المرجح أن الكواكب الخمسة بابلية الأصل لأنها كانت معروفة في أشعار الجاهلية. وأعطيت لبعضها صفة الألوهية (مثل الشمس والزهرة والقمر)، بمعنى أنها تتصف بالمقدرة وبالتأثير الذي تمتلكه الآلهة المرتبطة بها. ومن هنا نشأ التنجيم الذي تناقلته الأقوام اللاحقة المحيطة بوادي الرافدين. وبالرغم من أن بعض علوم الأقدمين قد حاربه الإسلام، ولاسيما التنجيم، إلا أنه ظل يلقى العناية والاهتمام الكبير في العهود الإسلامية المتأخرة، ولاسيما في العهد العباسي، ومازالت بقاياه تُدرَس حتى يومنا هذا . لقد ثبت علمياً بأن هناك علاقة واضحة بين تغيرات طبيعة الإنسان ومواقع الأجرام السماوية وتأثيراتها (وخاصة القريبة منها)، وكذلك مع الأشعة والظواهر الكونية. وقد بيَّن التنجيم وجود ارتباط بين أوضاع الكواكب وطبيعة الوليد ومهنته في المستقبل. لذلك فإن دراسة أوضاع وحركة الأجرام السماوية في لحظة ولادة الإنسان تيتيح الوصول إلى نوع من التنبؤ حول مستقبل الوليد وخصائص طبعه وسلوكه الاجتماعي. فقوى الجاذبية للأجرام السماوية القريبة من الأرض والأشعة الكهرمغناطيسية وطاقة الرياح والانفجارات الشمسية لها تأثير كبير وواضح على الظروف الفيزيائية للأرض، وبالتالي على طبيعة الإنسان والحيوان وحتى النبات.
وتقول الباحثة فاتن صبح في دراسة أعدتها في هذا المجال.
ما يطلق عليه علم الأبراج أو التنجيم هو صرعة تنتشر وتزدهر على غرار الصرعات كافة. ويجمع المنجمون برغم مقولة «كذب المنجمون ولو صدقوا» عشرات أو مئات آلاف المتابعين، عبر منصات التواصل الاجتماعي. وليست هذه المرة الأولى التي يحقق فيها التنجيم مجداً، ولن تكون الأخيرة، إذ إن الممارسة موجودة بمختلف الأشكال منذ آلاف السنين. وحديثاً، طالعتنا حركة العصر الجديد في الستينيات والسبعينيات بالأبراج والفلك. وتقول تشاني نيكولاس، عالمة الفلك المقيمة في لوس أنجليس، وفقاً ل«ذا أتلانتك»: «برز علم الفلك بشكل أكبر، وحدث شيء ما في السنوات الخمس الأخيرة أكسبه انفعالية أكبر، وعلاقة بالزمان والمكان لم تكن قبل 35 عاماً، أخذه جيل الألفية وحلق به».
ويتواءم التنجيم تماماً مع عصر الإنترنت، حيث حواجز الوصول مفتوحة، والتبحر متاح للراغبين. وقد منحت إمكانية الوصول إلى معلومات معمّقة عبر الإنترنت، الموجة الثقافية للتنجيم جانباً محدداً من المعرفة.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن التنجيم ليس علماً وما من دليل يثبت أن العلامة الفلكية لشخص ما ترتبط فعلياً بشخصيته، إلا أن النظام يسير وفق منطق خاص. ويعزى التنجيم إلى معنى تموضع الشمس والقمر والكواكب في البروج الاثني عشر من السماء. وقد يعرف المرء برجه حتى لو لم يكن ملماً بعلم الفلك، وهو قائم على موضع الشمس يوم الولادة. وتضيف مواقع القمر وكل من الكواكب الأخرى في وقت ومكان الولادة أبعاداً أخرى للصورة المرسومة حول «توقعات الأبراج».
يكشف علم التنجيم، كما يعتقد مروجوه، عن أفكار معقدة حول الشخصية ودورات الحياة وأنماط العلاقات على طريقة رموز دائرة الأبراج والكواكب واختزالاتها. وينجح الأسلوب الاختزالي تماماً على الإنترنت، حيث الرموز والاختصارات تصوغ عالم الاتصالات.
ويقول برترام مالي، عالم الإدراك الاجتماعي: «دعوني أؤكد أولاً أني أعتبر التنجيم ظاهرة ثقافية أو نفسية» لا علمية، ويوضح أن التنجيم الفعلي الذي يتجاوز صفحات الجرائد وأبراج العلامات الشمسية، «يزودنا بمفردات لا تطال ناحيتي الشخصية والحالة المزاجية، بل صعوبات الحياة وفرصها. وإلى أن يتعلم المهتم بتلك الموجة معاني تلك المفردات، تظل الأبراج جاذبة له بوصفها طريقة غنية لتقديم الخبرات البشرية وأحداث الحياة، من دون تفسيرها أو التنبؤ بها، وتحديد بعض مسارات التأقلم المتاحة».
ويمنح التنجيم الأشخاص الواقعين في أزمات نافذة لتخيّل مستقبل أفضل، وتذكيراً محسوساً بحقيقة بديهية يصعب التنبه لها عند الغرق في مشكلة ما، وهو ما يعكسه مفهوم التفاؤل لدينا.
وتقول عالمة الفلك في مجلة «برودلي»، أنابيل غات: «إننا نأخذ علم التنجيم كثيراً على محمل الجد، لكننا لا نؤمن به بالضرورة، لأنه أداة للتأمل الذاتي، وليس ديناً أو علماً. إنه مجرد وسيلة لرؤية العالم، والتفكير بالأمور».
من المرجح أن يكون أبناء جيل الألفية أكثر ارتياحاً للعيش على الحدود بين الشك والإيمان، وأن يتشبثوا بزمام ما يسمى بعلم الفلك والأبراج هرباً من الضغوط النفسية، لأنهم أمضوا وقتاً طويلاً من حياتهم على الإنترنت، في فضاء افتراضي آخر، حقيقي وغير حقيقي في الوقت ذاته.
تحمل عبارة «التنجيم أمر زائف ومحتمل في آن» وبمستوى من التناقض، بحيث تكون جاذبة للمرء، وقد طرح البعض فرضيات متعددة بشأن انبعاث التنجيم، فرأى البعض أن شعور الناس بضعفهم على الأرض جعلهم يحولون نظرهم إلى النجوم. ووجد آخرون في التنجيم مفراً من التفكير المنطقي «للنصف الأيسر» من الدماغ، ليشتهي بعضهم الارتقاء لحياة أكثر تنظيماً، وهو ما يروجه ذلك النظام المعقد مقارنة بحياتهم الفوضوية.
يقتضي استيعاب إغراء التنجيم تقبّل التناقضات، لأنه يبدو كونياً وشخصياً في آن، حسياً يفوق الوصف، حقيقياً وغير حقيقي. قد يكون مجدياً أن ترسم خطوطاً في الفضاء بين لحظات الزمن، أو في الفضاء بين ومضات الضوء في السماء المظلمة، حتى لو كنا نعرف في أعماق ذواتنا بأنها على مسافة سنوات ضوئية من الواقع، ولا رابط يجمعها على الإطلاق.
اذا هي الاحداث والواقع الحالي والعجزهو مايشدنا الى الهروب من ازماتنا الى الغيبيات التي تزرع في قلوبنا الوهم في الانتصار والتغلب عليها بدل التخطيط لواقع معاش مبني على حقائق يومية وأسلوب سهل حيث ان البشر كائنات سردية، تدأب على تفسير حياتها وذواتها عبر حبك أحداث الماضي والحاضر والمستقبل. ويوفر علم التنجيم، للمهتمين بتلك الأبراج، بلسماً لتلطيف مزيج الإجهاد، والخوف من المستقبل لديهم. حيث يميل الناس للإقبال على عالم التنجيم في أزمنة التعرض للضغوط النفسية. وتشير دراسة أجراها العالم النفسي غراهام تايسون عام 1982 إلى أن «الأشخاص الذين يستشيرون المنجمين» إنما يقومون بذلك استجابة لحجم عوامل الإجهاد في حياتهم، لا سيما الضغوط «المرتبطة بالدور الاجتماعي للفرد، وعلاقاته. ويكون المرء أكثر استعداداً، تحت وطأة الظروف الضاغطة، للاستعانة بالتنجيم كونه أداة تأقلم، حتى لو لم يكن يؤمن بها في ظل الظروف الأقل ضغطاً.
وكشفت بيانات استطلاعية لجمعية علم النفس الأميركية أن جيل الألفية، يعتبر منذ العام 2014 الأكثر عرضة للضغوطات، والمرجح الأكبر للإقرار بأن مستوى الضغوطات لديه قد ارتفع في العام الماضي إلى المستوى الأعلى منذ عام 2010. ويعاني جيل الألفية وأبناء الجيل العاشر من ضغوطات نفسية تفوق تلك التي للأجيال الأكبر سناً منذ العام 2012، لا سيما بسبب أخبار التشاحن السياسي، وتغير المناخ، والأزمات العالمية، وتهديدات الحرب النووية. وإن كان الضغط النفسي يمنح علم التنجيم إشراقاً أكثر، فليس مفاجئاً انجذاب الناس إليه بأعداد أكبر اليوم. ونحن في الثلث الأخير من عام 2020 العام الذي حمل فاجعة كورونا والتفجيرات ومزيد من الموت والتفجير والقتل والمفاجئات التي جعلت من الحياة اليومية شبه مستحيلة للبشر في معظم دول العالم جعل مقولة شهيرة لاحد زعماء العالم بان الحلول في الأرض أصبحت مستحيلة وباتت متروكة للسماء
بدأ الناس يشعرون بالسأم من حياة منغمسة في العالم الافتراضي، ويرغبون بمزيد من السرية عبر الإنترنت، ويعانون من إرهاق الكتب الإلكترونية، وتطبيقات المواعدة ومواقع التواصل الاجتماعي. ويتوقون لشيء مختلف في عصر الذوات المحددة كمياً، ومواقع التعقب، والإجابات المفهرسة لكل سؤال يطرح، عدا طبعاً تلك المتعلقة بحقيقة من نكون، وما الذي تخبئه لنا الحياة.
وتقول الكاتبة روبي وارينغتون «أعتقد أنه من باب القوة الموازنة لحقيقة عيشنا في عالم شديد التنظيم والتحديد الكمي، تنبع رغبة الاكتشاف والاتصال بذلك الجانب الخارق للطبيعة من ذواتنا. يمكن وصف التنجيم كونه لغة رموز لوصف جوانب من التجربة البشرية، التي لا تحتاج بالضرورة لمعادلات وأرقام وتفسيرات ويقول العالم جيه. بي مورغان وهو رجل أعمال أميركي أصحاب الملايين ليس لديهم منجمون.
وتقول إليانور كاتون – كاتبة نيوزيلندية حائزة على بوكر أرى علم التنجيم مستودعاً للفكر والنفس، ونظاماً اخترعناه وطريقة لمنح معنى للأشياء. اما «ا جيه. بي مورغان – رجل أعمال أميركي يعتقد ان أصحاب الملايين ليس لديهم منجمون. اما كارل يونغ – عالم نفس سويسري اعلن عن اننا نولد في لحظة ومكان محددين فنحمل صفات العام والموسم وعلم التنجيم لا يدعي قول أكثر من ذلك.
ونختم بخلاصة الكلام للباحث فريد حسن حيث يعرف لنا التنجيم : بعد عزله عن الدين والفلك – التنجيم مهنة أو تأثير الأجرام والظواهر السماوية على الكائنات الحية (إذا صح هذا التأثير ) والتنجيم أساسا بني على الخيال والعاطفة ،ويعتمد على الأساطير والخزعبلات ونظريات فلكية قديمة خطأ، وهو من المعارف القديمة جدا – كما أضيف إليه السحر واختلط معه ليشكلا وحدة تستطيع الصمود وإثبات وجودها ،لكن الإنسان المسلح بنظرية علمية يدرك كذب التنجيم والأبراج وهذا ما أريده لأخي القارئ
والسؤال الأكبر من أي شيء نهرب ولماذا نهرب والى اين ……..مع كل التطور والتكنولوجيا العالمية……….ام هي الذات البشرية التي مازالت تبحث وتنظر الى الفضاء بدهشة وتعجب برغم الاكتشافات العلمية الأخيرة والاف الأسئلة تدور في خلد النفس البشرية عن المستقبل المنشود.