[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

د. ميرنا القاضي تكتب: لسان الأجداد في فم الأحفاد (1)

كبسولة لغوية – الجزء الأول

كلمة_ومعنى ع_الأصل_دور

هل تظن أنك تتحدث “عامية”؟ تظنها لغة مكسّرة، بلا جذور؟

إذًا، راجع نفسك… وافتح سمعك جيدًا، لأن ما يخرج من فمك كل يوم، ليس عبثًا، بل صدى قديم… صدى آلهةٍ، صدى فلاحٍ كان يشقّ الأرض ويناجي السماء!

إنك لا تتحدث لهجة، بل تُعيد تشغيل تسجيلٍ عمره آلاف السنين.

كل كلمة تقولها، كانت تُنقش على جدران المعابد، أو تهمس بها الجدّات تحت ضوء القمر، أو تهتز بها أرواح الكهنة في قدس الأقداس.

ما تتكلمه اليوم… هو لسان الأجداد، ولكن بثوب العصر.

«غاغة»

 

تظنها دوشة؟ صوت عالي؟

لا يا عزيزي، دي “زعيقة السما”!

من الجذر المصري “غاغ” = العاصفة،

صوت الإله وهو يغضب، صوت الغضب الكوني، مش مجرد جلبة!

«كشّ»

“كشّ من وشي”؟

تحسبها إهانة؟

دي حركة غريزية مصرية أصيلة،

من “kš” = انسحاب مفاجئ، زي فهد بيتراجع من فخ، فطرة بقاء.

«خشّ»

 

تدخل بيت؟ تدخل أوضة؟

تقول “خش”، وتفتكرها بسيطة؟

دي من “ḫš” = الدخول إلى قدس الأقداس،

فعل كان يتم وهم يتطهّرون قبل المعبد، مش بس دخول، بل عبور إلى النور.

 

«زغروطة»

 

فرح؟ طبل؟ غنى؟

الزغروطة مش صوت، دي طقس مقدّس،

كانت حتحور تسمعه وتضحك،

ده صوت استقبال الحياة… مولود جديد، طاقة نور.

 

«ينجر»

 

“انجرّيت وراه”؟

من “grr” = يُسحب ويُقاد عنوة،

زي ما كانت الأرواح تُقاد للمحكمة الأبدية.

مش ضعف… ده استلاب وجودي.

 

«دحلق»

 

“اتدحلق من على السلم”،

تضحك؟! ده وصف لحركة الكواكب،

من فعل مصري قديم لوصف الانحدار الكوني أو سقوط الجسد في الرمزية.

«مزوق»

 

تقول “كلامه مزوّق”؟

دي مش مجاملة، ده فعل مقدّس:

“سوك” = زيّن، ومنه “مزوق” = جَمّل بالعقل والفن.

«نونو»

 

البيبي؟! الصغير؟

“نون” = مياه الخلق، النبع الأول،

فـ “نونو” = كائن من حضن الكون، مولود من قلب الطمي.

«بتاع»

 

“هات البتاع ده”!

فاكرها بلا أصل؟

“بت” = شيء، “عا” = يملك.

“البتاع” = الشيء المُنتسب، المملوك، المحدد… مش مجهول، بل مُشَفّر!

«قراطة»

 

صغير أوي؟ فتفوتة؟

“ⲕⲉⲣⲟⲟⲧ” = وحدة وزن فرعونية،

يقيّموا بيها الذهب!

يعني لما تقول “قرّاطة”، فإنت بتحكم بميزان الكهنة.

«يتكعبل»

 

وقع؟ لخبط؟

من “كعب” + فعل حركي،

مش بس تعثّر، ده انفلات من التوازن الكوني… لحظة سقوط مقدسة!

«كركبة»

 

فوضى؟ لا يا محترم.

“krkb” = ضغط + تراكم + خنقة،

دي لغة غرف الكهنة، وأرواح مش لاقية مكان.

 

«يطرش»

 

“طرش كلام”؟

ده من “ترش” = ينثر،

كأنك بترمي ميّة، أو بتغرق الناس بكلام بدون تفكير… بلغة المعبد.

 

«فرهد»

 

“الشمس فرهدتني”،

مش بس تعب، ده وصف فني لحالة الإنهاك،

لما الجسد يذوب تحت سلطان رع.

 

«ينقنق»

 

“قاعد ينقنق”،

صوت مزعج؟

ده من نقيق الأرواح،

من أيام ما كانت الأرواح بتتكلم من تحت الطين.

 

خلاصة الكبسولة:

 

دي مش لهجة عاميّة… دي ذاكرة حضارة.

دي لغة ماشيه على رجليها، بتنطق بيها من غير ما تاخد بالك،

بس جوّاها خريطة سما، وأرض، ومعبود، وفلاح، وأم بتزغرد.

 

فـ لما تسمع حد بيقول “دي لغة عامية”… قله: لأ، دي لسان الأجداد!

تابعونا في السلسلة القادمة من

“كبسولات لغوية: لسان الأجداد في فم الأحفاد”

كل كلمة هنفتحها… هنلاقي جوّاها معبد.

وكل حرف… تحته حجر، وفوقه شمس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى