[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

رحلة إلى دير المحرّق بأسيوط “أورشليم الثانية”

د. عبد الرحيم ريحان

دير المحرّق أو كما يطلق عليه أورشليم الثانية يقع في جبل القوصية بمحافظة أسيوط وهو من أبرز الأديرة والمزارات السياحية والدينية المسيحية في مصر. لأهميته الدينية والأثرية والتاريخية باعتباره آخر موضع استقرت فيه العائلة المقدسة في مصر بعد عناء الترحال بين سيناء والدلتا ووادى النطرون وأقامت فيه لمدة 6 أشهر و10 أيام وهي الفترة الأطول التي قضتها العائلة المقدسة في هذه المنطقة.

رحلتنا اليوم مع الدكتورة نعيمة داوود الأستاذ المساعد فى التاريخ البيزنطى ورئيس لجنة الدراسات القبطية بحملة الدفاع عن الحضارة المصرية التي تشير إلى إنشاء الدير وبناء الكنيسة الأثرية المخصصة للسيدة العذراء التي تضم أول مذبح في العالم وهو الحجر الذي جلس عليه السيد المسيح عليه السلام ودشنه بنفسه وهو مذبح الكنيسة الأثرية بالدير التى ارتبطت باسم السيدة العذراء مريم


وتحتفل الكنيسة بتذكار تكريس كنيسة العذراء الأثرية فى يوم ٦ هاتور الذى يوافق 26 نوفمبر من كل عام وفيما بعد أراد الأحباش أن يعيشوا حياة الرهبنة في أورشليم لكنهم لم يتمكنوا من السفر لذا اختاروا العيش داخل دير السيدة العذراء بالدير المحرّق كبديل ومن هنا أُطلق عليها اسم “أورشليم الثانية”

يقع الدير فى سفح الجبل الغربي المعروف بجبل فسقام ويبعد ١٢كم غرب مدينة القوصية ومسافة ٤٨كم شمال غرب أسيوط ومسافة ٣٢٧كم جنوبى القاهرة وسبب تسميته بالمحرّق لوجود منطقة متاخمة للدير كانت منطقة تجميع الحشائش والنباتات الضارة وحرقها ولهذا دعيت المنطقة بهذا الاسم.

المصادر التاريخية

تشير الدكتورة نعيمة داوود إلى المصادر التاريخية التي ذكرت اسم الدير المحرّق ومنها كتاب أبو المكارم عن الكنائس والأديرة في القرن 12م بالوجه القبلي ذاكرًا كنيسة العذراء بقوص هي أول كنيسة بنيت في ارض مصر ومنها رد المسيح الي مصر ومنها عاد الي الشام وهذه البيعة تعرف بقوس قام وهذه البيعة لطيفة جدا وكان معهم موسي ابن اخي يوسف النجار وامره سيدنا المسيح ان يجعل حجر تحت رأسه فعملوه وللوقت مات ودفن بها وقبالة باب البيعة بئر ماء معين وفي البيعة حوض يملأ ماء ….. وكان ذلك في سادس شهر هاتور ثم بارك سيدنا المسيح في ماء ذلك البئر وذكره اميلينو ( 1850- 1915 ) في كتابه “جغرافيا مصر في العصر القبطي ” . وكذلك شامبليون في كتابه “مصر في عهد الفراعنة”


كما كتب عنه أيضا المتنيح الانبا صموئيل أسقف القناطر الخيرية في موسوعته الخالدة ” دليل الكنائس والأديرة من الجيزة إلي أسوان ” تحت اسم “دير السيدة العذراء المحرّق بالقوصية ” من أهم المزارات المسيحية في صعيد مصر حيث تذكر جميع ميامر ” ميمر هي كلمة سريانية معناها قول وهو مقال أو سيرة قديس، والجمع ميامر ” مجيء السيد المسيح إلي أرض مصر أن العائلة المقدسة شرفت هذا المكان ببقائها فيه أكثر من ستة أشهر واشترك السيد المسيح بنفسه في تدشين المذبح الباقي بنفس شكله حتي الآن

كنيسة السيدة العذراء

تنوه الدكتورة نعيمة داوود إلى أن الكنيسة الأثرية بالدير طرأت عليها تغييرات كثيرة في عصور مختلفة والمباني الحالية يرجع معظمها إلى القرن 13 م وبها بعض الأحجبة المطعمة القديمة وبعض الأيقونات ويمتاز شكل الكنيسة بوجود حجرتين علي جانبي الهيكل لا يستخدمان كهياكل بل حجرات لوازم الخدمة

منشئات الدير

وتصف الدكتورة نعيمة داوود منشئات الدير ومنها الحصن القديم الذي يعد من أقدم المباني بالدير بعد الكنيسة فهو يعد من أصغر حصون الأديرة لقرب الدير من العمران ويوجد به كنيسة الملاك وكثير من الأيقونات القديمة وترجع أسوار مباني الدير إلى العصر الحديث في أوائل القرن العشرين

كما يوجد به 6 كنائس أساسية هي كنيسة العذراء بالجهة الغربية من الدير وهيكلها هو نفس الغرفة التي سكنتها العائلة المقدسة، و كنيسة القديس تكلا هيمانوت الحبشي وكانت فوق سطح الكنيسة الأثرية وكان الرهبان الاحباش يصلون فيها ولكنها أزيلت عام 1936 خشية من تأثيرها علي الكنيسة الأثرية

وكنيسة يوحنا المعمدان في الجهة البحرية من كنيسة العذراء، وكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل في الطابق الأعلي من الحصن الأثري وكنيسة القديس مارجرجس جنوب الكنيسة الأثرية وقد شيدت عام 1800 م .وكنيسة العذراء الجديدة أنشئت خارج أسوار الدير الأثري فى عهد رئيس الدير الراحل القمص قزمان بشاي.

ويضم الدير مكتبة قيمة يذكر الانبا غريغوريوس أنه يوجد بها حوالي 708 مخطوطا ما بين كتاب مقدس وطقس ومواعظ وتاريخ وميامر ولغة قبطية وعربية وكتب طبية ومتنوعات، وقد كتب عن الدير المحرق حديثًا رهبان الدير أنفسهم كتاب بعنوان ” جبل قسقام : قدس – تراث ” ولقد صدر عن الدير المحرق خلال عام 1990 .وتتضمن فصول الكتاب المقدمة – الرهبنة في المسيحية – تاريخ الدير عبر العصور- الدير والتراث وجولة في رحاب الدير المحرق ).

وكتاب أصدره الدكتور إسحق إبراهيم عجبان عميد معهد الدراسات القبطية بعنوان ” رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر ” وقدم له قداسة البابا تواضروس الثاني فضلا عما كتبه جودت جبره وآخرون .

ومن الاصدارات الحديثة أيضا عن الكنائس في مصر كتاب “الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ” والصادر عن المركز القومي للترجمة حيث خصص له ستة صفحات بالصور الملونة عن الدير فقال عنه ” يعد دير المحرق أقدس مراكز السياحة الدينية المسيحية التي زارتها العائلة المقدسة ”

أما آخر كتاب كتب عن الكنائس بصفة عامة وعن الدير بصفة خاصة فهو كتاب “المسيحية القبطية في ألفي عام” للمؤرخ الالماني أوتو مينارديس حيث قال عنه أنه مؤسسة رهبانية فريدة فلقد أثر بموقعه علي حافة الصحراء علي حياة الأقباط في المنطقة وله أملاك واسعة تديرها الكنيسة وفي عام 1905 أسس القمص باخوم الأول كلية إكليركية الدير وفي عام 1937 اكتمل المبني الجديد للكلية في الفناء الخارجي للدير .

مراجع المقالة

إسحق إبراهيم عجبان :- رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر ؛ تقديم قداسة البابا تاوضروس الثاني ؛دار نشر أبناء روسيا ؛ الطبعة الأولي 2017 ؛ الصفحات من 280 – 286 ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى