كنز مهمل بإمكانه إنقاذ لبنان.. سكك حديد وقطارات أكلها الصدأ
يخسر لبنان فرصا اقتصادية وسياحية كبرى بسبب تعطيل سكك الحديد، التي تحولت إلى مرتع للأعشاب البرية ومتاحف للحديد والصدأ.
ويمتلك لبنان شبكة خطوط حديدية على طول مسافة 403 كلم من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه. فما قصة قطارات لبنان المنسية؟
رسميا، تعتبر مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك المسؤولة عن هذا القطاع، إلا أن الأزمة الحالية جعلتها فارغة من العاملين لأنها “غير مربحة”، بحسب مصادر خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”.
وتوضح المصادر الرسمية لموقعنا أن عدد القطارات في لبنان كان يبلغ 48، موزعا بين طرابلس ورياق وسعدنايل بالداخل اللبناني وبيروت.
وتضيف: “يعد هذا القطاع ذات إدراة مستقلة إنما ذات منفعة عامة لها مجلس إدارة، بإشراف وزارة الأشغال العامة، كما له عائدات تفوق الخيال في حال أعيد إلى العمل مجددا، وبالتالي يمكنه إنقاذ البلاد من أزمتها”.
القطارات وضعت بيروت على الخارطة
في هذا الصدد، يقول رئيس لجنة الأبنية التراثية في شمال لبنان خالد تدمري لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لبنان أضاع فرصا عديدة لإستعادة هذا التراث الاقتصادي المهم”.
وتابع: “كان يُعرف بمشروع خط الحجاز الحديدي وكان من أكبر المشاريع التي قامت بها الدولة العثمانية في لبنان، الهدف منه إيصال الحجاج بأسرع وقت ممكن إلى مكة المكرمة آنذاك”.
وأردف قائلا: “انطلقت خطوط القطار الأولى من مدينة إسطنبول مرورا بالأناضول التركي وصولا إلى دمشق ومنها إلى بيروت والأردن فالمدينة المنورة، واستكمل بخطوط فرعية”.
ويضيف المؤرخ تدمري: “نفذت هذا المشروع الضخم، الدولة العثمانية وشهد صعوبات جمة، سيما الخط الذي كان ينطلق من بيروت إلى دمشق نظرا لصعوبة تسلق القطار الجبال في لبنان بسبب الثلوج”.
ولادة مرفأ بيروت
ويبرز المتحدث ذاته: “كان لا بد من إنشاء مرفأ متطور لتتمكن السفن من نقل القطع الحديدية، فجاءت فكرة تطوير مرفأ بيروت، مما جعل من بيروت مدينة مهمة على هذا الساحل رغم حجمها الصغير آنذاك وتطورت بشكل سريع حتى غدت عاصمة لبنان”.
ويتابع: “تلى ذلك بناء محطات عديدة على الساحل فكانت محطة طرابلس شال لبنان تصل إلى مدينة حمص السورية ومن بيروت شيّد الخط الجنوبي نحو الناقورة”.
ويكمل: “مع تطور المرفأ في بيروت تطورت المدينة اقتصاديا وتجاريا وتطورت معها البلدات اللبنانية التي يمر بها القطار، وكانت محطتا بيروت وطرابلس من أكبر المحطات”، مشيرا إلى أن “بقايا القطارات ما تزال موجودة في مدينة رياق شرق البلاد”.
ويختم: “كل هذه المحطات مسجلة حالياً على لائحة الآثارات في المديرية العامة للآثارات في وزارة الثقافة اللبنانية”.
قطارات مهملة ومتروكة لقدرها
وحول مصير هذه القطارات، يروي المتخصص في إدارة الأزمات رئيس جمعية “train train” في لبنان، كارلوس نفاع، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “حريصون على حماية هذه القطارات رغم سوء حالتها، دورنا إقامة حملات توعوية مكثفة من أجل خلق جيل شاب يمكنه أن يحميها لاحقا”.
ويوضح: “نعمل منذ عام 2005 مع عدة جمعيات، جمعيتنا رسمية وطنية هدفها حماية الإرث الغني المهمل ونرفض بيع هذه القطارات أو العقارات المتوقفة فيها أو تحويلها إلى معالم سياحية”.
ويشير نفاع إلى أن “السكك الحديدية والقطارات المتبقية مهملة منذ العام 1995، تاريخ توقفها عن العمل نهائيا”.
ويضيف: “محطة رياق تقع شرق البلاد وهي أكبر موقع للقطارات في المنطقة وليس في لبنان فحسب، نظرا لوجود مصانع فيها خصصت لتصنيع القطارات”.
ويستطرد: “للمصادفة في الرابع من أغسطس 1895 عبر أول قطار من مرفأ بيروت إلى دمشق مما جعل من بيروت بوابة الشرق”، مشيرا بذلك إلى تاريخ الرابع من اغسطس تاريخ انفجار هذا المرفأ.
تحول لبنان إلى مركز اقتصادي
وبيّن المتحدث: “لعبت السكك الحديدية في البلاد دورا كبيرا، إذ قامت بنقل الكثير من العائلات إلى حلب ودمشق والأردن، إلى أن تحول لبنان نهاية القرن الـ19 إلى أضخم مركز اقتصادي.. اختصر القطار الوقت، مما جعل من مرفأ بيروت المعبر الأساسي في المنطقة”.
القطارات بحاجة إلى صيانة
ويردف قائلا: “هناك قطارات بحاجة إلى صيانة بسيطة نبت عليها العشب وباتت مهملة وهي قطارات أميركية الصنع (الكتروديزل) وبالإمكان تشغيل خط سياحي إذا عزمت السلطة”.
ويكشف عن محاولات عدة جرت ودراسات قدمت في هذا الشأن ومنها بطلب من الحكومة اللبنانية إنما لم تبصر النور وبقيت في الأدراج مهملة أسوة بالقطارات”.
ويضيف: “على الرغم من توقيع لبنان سنة 2003 اتفاقية ممرات الإسكوا التجارية، التي تلزم لبنان الربط بسكك الحديد مجددا إلا أن الأمور بقيت متوقفة”.
ويوضح: “لبنان بحاجة ماسة إلى إحياء هذا القطاع الذي يمكنه الإنقاذ البلاد وتخفيف الضغوط الاقتصادية، والتلوث البيئي وخلق فرص عمل جديدة وتنشيط الاقتصاد اللامركزي وإعادة ربط لبنان بالعالم مجددا”