[ الصفحة الأولى ]ثقافة وفنون

قلب الشارع المصرى..«ليالى الحلمية» ​أيقونة الدراما العربية

ملحمة عكاشة وعبد الحافظ التى جسدت صراع «الباشوات والأعيان والطبقة الشعبية»

800 جنيه تقرب الفخرانى والسعدنى من شخصيتى «العمدة» و«سليم البدرى»

جمال إسماعيل يرفض دور «زينهم».. وعيون دلال عبد العزيز تمنحها دور «نجاة»

«عزومة» تنهى الخلاف بين ممدوح عبد العليم وإسماعيل عبد الحافظ

أزمة بين المخرج وحسن يوسف.. ينهيها صلاح قابيل باتصال هاتفى

تأجيل الجزء الرابع يحرم محمود حميدة من «على البدرى»

وفاة «علام السماحى» سر ظهور «سيد أبو ليلة»

على مدار خمسة وثلاثين عاماً، منذ إذاعة أولى حلقات المسلسل الدرامى ليالى الحلمية، ولا يزال المسلسل الذى كتبه أسامة أنور عكاشة، وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ، ولعب بطولته عدد كبير من النجوم، على رأسهم يحيى الفخرانى، وصلاح السعدنى، وصفية العمرى وآخرون، حيث يعتبر العمل أيقونة الدراما التليفزيونية فى مصر، والعالم العربى، فقد ارتبط الجمهور العربى فى كل الأقطار بحلقات المسلسل، التى تعدت المائة وثلاثين حلقة عرضت فى خمسة أجزاء، لكن لهذا المسلسل قصة غريبة، كادت تحجب ظهوره إلى النور فى جزئه الأول، سنحكيها بالتفصيل فى السطور التالية.

خلال عامى 1984 و1985، عرض التليفزيون المصرى فى شهر رمضان، مسلسلاً درامياً من جزئين بعنوان «الشهد والدموع»، تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، وقد قدم المؤلف لمحة تاريخية اجتماعية بسيطة عن بداية القرن العشرين، وحقق المسلسل نجاحاً كبيراً، حتى إنه تم اختياره كأحسن مسلسل فى شهر رمضان لعامين متتاليين، وقد أظهر العمل مدى التفاهم والتلاحم الفكرى، بين المخرج والمؤلف اللذين ارتاحا فى العمل مع بعضهما البعض.

وعقب انتهاء العرض، فكر أسامة أنور عكاشة، فى عمل ملحمة جديدة، ترصد حال الشارع المصرى منذ ثلاثينيات القرن القرن العشرين، وحتى نهايته، ومدى التغير الذى حدث فى مصر، على المستوى الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، وبالفعل بدأ فى كتابة مسلسل به ثلاث طبقات مجتمعية، بينهم صراع كبير، هذه الطبقات هى طبقة الباشوات صاحبة المال والنفوذ والقريبة من السلطة ممثلة، فى «سليم باشا البدرى»، وهى طبقة متعلمة ولها دور مهم فى الصناعة والحياة فى مصر، بشكل عام، وطبقة الأعيان أصحاب المال من أبناء الشعب المصرى، الذين امتلكوا أراضى زراعية بمساحات شاسعة، لكنهم لم يحظوا بالعملية التعليمية بشكل كبير، هذه الطبقة متمثلة فى العمدة «سليمان غانم»، الذى يمثل هو وتلك الشريحة الحفاظ على الزراعة المصرية فى ذلك الوقت.

والطبقة الأخرى هى الطبقة الشعبية، المتمثلة فى أبناء البلد «الجدعان»، متمثلين فى حى الحلمية، مثل «زينهم السماحى، وطه السماحى»، وهذه هى الطبقة الأهم التى سوف تحمل على عاتقها أحلام الحرية، وبناء المجتمع مع بداية ثورة يوليو 1952.

هذه الطبقات الثلاث، لابد أن يحدث بينهم تلامس كبير، بحيث يصبحون فى مكان واحد، لكن يبقى الصراع قائما حتى تستمر الحياة، فى واحد من أهم أحياء مصر فى فترة الأربعينيات، وما بعدها، هذا ما فكر فيه المؤلف أسامة أنور عكاشة، وهو يكتب المعالجة الدرامية للسيناريو، وقد تحمس لتلك الفكرة المخرج إسماعيل عبد الحافظ، الذى أصبح ملاصقا فكرياً للمؤلف، وتم عرض المعالجة على إدارة التليفزيون التى رحبت بالمسلسل، وانتهى أسامة أنور عكاشة من كتابة الجزء الأول فى ثمانى عشرة حلقة، وتقدم هو والمخرج بالسيناريو للموافقة على الميزانية التقديرية للعمل حتى يبدأ تنفيذه، وبعد المرور على لجنة القراءة والرقابة التليفزيونية، جاءت الموافقة وبدأ ترشيح الأبطال وباقى الممثلين.

ومن المفارقات العجيبة، أن المخرج إسماعيل عبد الحافظ، رشح لأدوار البطولة النجمين، محمود ياسين فى دور الباشا، وسعيد صالح فى دور العمدة، لكن المخرج اصطدم بإدارة الإنتاج التى رفضت، حيث إن أجر كل منهما أكثر من 800 جنيه فى الحلقة، وهذا يعتبر أجرا كبيرا نسبياً عام 1986، ويعتبر إرهاقاً للميزانية، ومن الأفضل أن يبحث عن أسماء أخرى، حتى يخرج المسلسل إلى النور، ووقع المخرج فى حيرة، فمن سيقوم بأدوار البطولة مثل محمود ياسين وسعيد صالح؟

هنا تحدث يوسف عثمان، رئيس إنتاج الفيديو فى التليفزيون وقتها، واقترح على المخرج أن يفكر فى الفنان يحيى الفخرانى، الذى قدم من قبل أعمالاً جيدة، ويعتبر المسلسل بالنسبة له نقلة جيدة، فاقتنع عبد الحافظ بالفكرة وقام بعرض دور العمدة على يحيى الفخرانى، خصوصا أنه يمتلك المواصفات الجسمانية للشخصية، من حيث الطول والحجم الممتلئ بالإضافة إلى أنه فنان قدير.

لكن جاءت المفاجأة، أن الفخرانى عندما قرأ السيناريو، اتصل بالمخرج ليخبره أن دور العمدة لم يشعر معه بألفة، إنما ارتبط عاطفياً بدور الباشا، وهو على استعداد للقيام به فوراً، والأكثر أنه ناقش المخرج فى مفردات الشخصية وبعض الإضافات عليها.

وقع المخرج فى حيرة جديدة، لكنه قال للفخرانى انتظر حتى نرى ما سيحدث، وقام المخرج بمشاورة المؤلف أسامة أنور عكاشة، ورئيس إنتاج الفيديو يوسف عثمان، الذين لم يمانعوا هذه الفكرة، بشرط أن يجد المخرج من يقوم بشخصية العمدة بشكل جيد، وهنا فكر عبد الحافظ فى الفنان صلاح السعدنى لدور العمدة، وحاول إقناعه بشكل كبير، لكن أصدقاء السعدنى نصحوه بعدم قبول الدور، خصوصا أنه سيتم مقارنته بالراحل العظيم صلاح منصور، أفضل من قدم دور العمدة فى السينما المصرية، من خلال فيلم «الزوجة الثانية»، لكن فى النهاية استطاع عبد الحافظ إقناع السعدنى بقبول الدور، وتم ترشيح الفنانة صفية العمرى لدور نازك السلحدار، خصوصا أن ملامحها تتماشى مع شخصية السيدة الأرستقراطية.

وخلال ترشيح باقى الشخصيات، توقف المخرج عند شخصية «زينهم السماحى»، خصوصا أنها شخصية مؤثرة بشكل مباشر فى الأحداث، لذلك فكر فى إسنادها إلى الفنان جمال إسماعيل، الذى قدم دور المِعلم على المسرح من قبل فى مسرحية السكرتير الفنى، لكن جاءت المفاجأة أن جمال إسماعيل اعتذر عن عدم قبول الشخصية، وقال إنه قدمها أكثر من مرة بنجاح ولا يريد تكرار نفسه مرة أخرى، ومن الأفضل أن ينجح فيها ممثل آخر، وعن نفسه يفضل أن يلعب شخصية والد «علية وأنيسة» ويعتبره دورا جديدا بالنسبة له.

فوقع المخرج فى حيرة جديدة، فمن سيلعب شخصية زينهم السماحى المحورية، وبعد بحث طويل عرض الدور على الفنان سيد عبد الكريم، ومن المفارقات الكبرى، أن سيد عبد الكريم فى الحقيقة أستاذ جامعى، لكنه رحب بتجسيد شخصية «المعلِم»، خصوصا أنه لم يقدمها من قبل وبالفعل نجح فى تجسيدها بشكل كبير.

وجاء الدور على شخصية أنيسة، إحدى الشخصيات المؤثرة فى أحداث العمل، ووقع اختيار المخرج على الفنانة فردوس عبد الحميد، التى رحبت بالدور، ثم جاء الدور على شخصية «نجاة» التى تحتاج لفنانة صاحبة عيون جميلة، خصوصا أن بعض مشاهدها سترتدى «يشمك أو نقاب» فلا يظهر منها سوى عينيها التى سيقع فى جمالهما طه السماحى، ومن ثم يقع فى حبها، وقد اختار المخرج الفنانة دلال عبد العزيز، التى كانت مناسبة تماماً للشخصية، من حيث الشكل والمضمون.

ثم جاء الدور على شخصية محورية أخرى، وهو سماسم العادلى «المعلمة»، وهنا فكر المخرج فى الفنانة سهير المرشدى، التى كانت مفاجأة المسلسل.

بعد ترشيح معظم أدوار البطولة، عقد اجتماع بين المخرج والمؤلف، ورئيس إدارة إنتاج الفيديو، هذا الاجتماع تمت فيه مناقشة ما وصل إليه المخرج من ترشيحات، ثم الوقوف على بعض النقاط الأخرى، مثل أن جميع من تم ترشيحهم يعتبرون من جيل الوسط، وأنهم ممثلون جيدون، لكن لابد من تطعيم المسلسل ببعض الأسماء الكبرى حتى تسند هؤلاء النجوم فى أولى بطولاتهم، وبالفعل تم اختيار ثلاثة أسماء لها تاريخ كبير ومعروفه أولهم، الفنان الكبير أحمد مظهر، الذى قدم شخصية الباشا صديق العائلة والناصح الأمين لسليم البدرى، والاسم الآخر كان للفنانة الكبيرة هدى سلطان التى جسدت شخصية الهانم والدة سليم البدرى، وكان دورها مهما للغاية، حيث يحترم سليم رأى أمه ويناقشها فى بعض الأحداث، برغم الصراع الكبير القائم بينها وبين زوجته نازك السلحدار.

أما الاسم الثالث، فهو فنان محبوب للجمهور وهو النجم حسن يوسف، الذى جسد شخصية توفيق البدرى، ابن عم سليم وهو شخصية محورية فى العمل، خصوصا أنه الشخص المحافظ على أموال سليم، ويعلم كل كبيرة وصغيرة فى المصنع، هذه الشخصيات الثلاث صنعت توازنا كبيرا فى المسلسل خصوصا فى جزئه الأول.

وبدأت العجلة فى الدوران، حيث تم التصوير داخل استوديوهات التليفزيون، لكن تبقى نقطتان الأولى، هى أن المؤلف كتب العمل تحت اسم مؤقت وهو «الليالى» ولابد أن يتم البحث عن اسم يتوافق مع العمل قبل عرضه على الشاشة، وهنا اقترح المخرج إسماعيل عبد الحافظ، على المؤلف أن يتم أخذ الاسم من الأحداث داخل العمل، بمعنى أن يكون الاسم هو «ليالى الحلمية»، نظراً لأن الأحداث تدور فى منطقة الحلمية، وهو ما وافق عليه المؤلف.

النقطة الأخرى كانت متمثلة فى أغنية «تتر»، المسلسل وهنا كان التفكير فى الشاعر الكبير «سيد حجاب»، القريب من فكر المخرج والمؤلف، لكن هذه المرة تم ترشيح الموسيقار ميشيل المصرى، لتلحين التتر بصوت المطرب محمد الحلو، والذى كان أحد عناصر الجذب بالنسبة للمسلسل، وبالفعل انتهى تصوير الجزء الأول من المسلسل، الذى جاء فى ثمانى عشرة حلقة فقط، وتم عرضه فى منتصف شهر أكتوبر من عام 1987 خارج السباق الرمضانى.

وقد كان المؤلف بارعاً فى تكثيف الأحداث، التى عملت شبه صدمة للمشاهد جعلته يتابع الأحداث وينتظر الحلقات الأخرى، حيث بدأت الحلقة الأولى بزواج سليم البدرى من «علية»، وهو ما ترتب عليه طلاق نازك السلحدار منه، واتجاهها لغريمه سليمان غانم، مما يزيد الفضول لدى المشاهدين فى متابعة الأحداث، وانتظار ما سيسفر عنه الصراع.

وكما كان المؤلف بارعا فى البداية، جاءت النهاية كذلك تحمل بين طياتها استمرارية الصراع، حيث انتهت الأحداث أثناء حفل أقامه سليم البدرى بمناسبة زواجه من نازك التى عادت إليه مرة أخرى بعد طلاقها من العمدة، لكن أثناء الحفل، جاء العمدة ليترك لديها ابنتهما، فيتم إنهاء الحفل فجأة، مما يوحى باستمرار الصراع من جديد.

بعد نجاح الجزء الأول، وارتباط الناس بالمسلسل، شرع أسامة أنور عكاشة، فى كتابة الجزء الثانى، الذى عرض فى خمس وعشرين حلقة، لكن هذه المرة كان فى شهر رمضان عام 1989.

فى هذا الجزء تلاحقت الأحداث بشكل كبير، حيث تناولت تأثير الحرب العالمية الثانية على مصر، وكذلك حرب فلسطين 1948، وأسباب أفول نجومية الملك فاروق، وتصرف الحاشية المحيطة به، وبداية عمل الفدائيين ضد الاحتلال الإنجليزى، خصوصا فى منطقة القنال وتحديداً مدينة الإسماعيلية، ثم قيام ثورة 23 يوليو 1952.

وفى هذا الجزء تحديدا، وضح تماماً للجميع أن أسامة أنور عكاشة، يركز على مزج الأحداث الاجتماعية، وربطها بالمواقف التاريخية السياسية التى مرت بها مصر، مما أضفى لونا جديدا على العمل الذى وصل لرجل الشارع بسهولة ويسر، وقدم المسلسل فى جزئه الثانى مجموعة من الشباب مثل ممدوح عبد العليم، وآثار الحكيم، وهشام سليم، وشريف منير، وحنان شوقى، هؤلاء هم الطليعة الأساسية لشباب ثورة يوليو المؤمنين بمبادئها وحاملين لوائها والحالمين بعالم جديد، خصوصا على البدرى، وزهرة سليمان غانم، التى ربطت بينهما قصة حب غاية فى الرومانسية تعبر عن سنوات الخمسينيات، وبداية الستينيات بأحلامها الجميلة، خصوصا أنهما تجمعهما بعض الصفات المشتركة، فعلى البدرى ولد فى مجتمع به تزاوج الطبقة العليا، متمثلة فى أبيه سليم باشا، مع الطبقة الشعبية متمثلة فى أمه علية بدوى، مما جعل على فى نظر الآخرين يمثل الطبقة الوسطى التى سيعتمد عليها مجتمع 23 يوليو، وكذلك زهرة التى ولدت من تزاوج الطبقة الأرستقراطية مع طبقة الأعيان، لكن تربيتها ونشأتها كانت تعتبر من الطبقة الوسطى، بينما يمثل «عادل» هشام سليم أبناء الطبقة العليا فى سبيل تمثل «قمر» حنان شوقى و»ناجى» شريف منير، أبناء الطبقة الشعبية المناضلة التى صعدت للطبقة الوسطى وأصبحت عنصرا فاعلا بداخلها فى المجتمع.

من هنا كان للصراع أشكال مختلفة، حيث مشى فى طريقين متوازيين، أحدهما الصراع بين الكبار «سليم ونازك وسليمان»، وهم الأبطال القدامى، والآخر الصراع بين «على وزهرة وعادل وناجى وقمر»، وهم الشباب، لكن تبقى المفارقة أن «عادل وزهرة وعلى» الثلاثة أخوة غير أشقاء كل منهم له صلة دم مع الآخر بشكل مختلف.

أيضاً لم ينس أسامة أنور عكاشة، أن يجعل العمال فى مصنع البدرى مسيسين بشكل كبير، يتابعون كل الخطب السياسية، ويتفاعلون معها ويناضلون أيضاً كما حدث فى الإسماعيلية، وبعدها أثناء العدوان الثلاثى عام 1956 .

قبل بدء تصوير الجزء الثانى، اعتذرت الفنانة فردوس عبد الحميد، عن تكملة أداء شخصية «أنيسة»، نظراً لانشغالها بمسلسل آخر، مما دعا المخرج أن يستبدلها بالفنانة محسنة توفيق، التى قدمت الدور بنجاح كبير.

ومن الأمور الطريفة أنه أثناء البروفات قبل التصوير، حدث خلاف كبير فى وجهات النظر بين المخرج إسماعيل عبد الحافظ، وبين الفنان حسن يوسف، حيث وصل التفاهم بينهما لطريق مسدود، فشرع المخرج فى تغيير الفنان حسن يوسف، وبالفعل عرض الدور على الفنان صلاح قابيل الذى سأل عن سبب التغيير، فعلم أن هناك خلافا بين الاثنين، هنا اتصل قابيل بالمخرج وبالفنان حسن يوسف، وقام بعمل صلح بينهما وعادت المياه إلى مجاريها، وأكمل حسن يوسف الشخصية.

لكن للأسف ظل الخلاف موجوداً فى نهاية الجزء الثانى، بين الفنان حسن يوسف والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، إلى أن قام المؤلف أسامة أنور عكاشة بعمل حل يرضى الطرفين، حيث أنهى الشخصية، وبدأ الجزء الثالث بمشهد وفاة توفيق البدرى، على أن تظل صورته موجودة على الحائط يلجأ إليها المخرج عندما يحتاجها فى الأحداث.

وشهد الجزء الثالث اعتذار الفنانة دلال عبد العزيز، وقامت الفنانة زيزى البدراوى بأداء شخصية نجاة بدلاً منها، لكن فى هذا الجزء ركز أسامة أنور عكاشة، على تداعيات ما حدث فى المجتمع المصرى بعد حرب 1967 وثم نصر أكتوبر 73 وسياسة الانفتاح الاقتصادى وانعكاسها على حياة الناس، وهو ما جعل الطبقة الوسطى التى كانت حالمة تتحول إلى أعمال البيزنس ،كما فعل على البدرى الذى قاد إمبراطورية والده، وأصبح إنسانا صعب المراس قد ضاع حبه الأوحد، وخسر مستقبله العلمى وكانت ليالى السجن بالنسبة له طويلة، خرج منها وكأنه شخص آخر وكأنه ينتقم من نفسه ويحاسبها على الأيام التى ضاعت هباء، لكن بقى الصراع بين الكبار كما هو لم يتغير.

مع نهاية الجزء الثالث من المسلسل، حدث مشاجرات عديدة أولها بين الفنانة آثار الحكيم والمخرج، اعتذرت بسببها عن تكملة المشوار، مما جعل المخرج يتفق مع الفنانة إلهام شاهين للعب شخصية زهرة، فى الجزئين الرابع والخامس، ورغم المجهود التى بذلته الفنانة إلهام شاهين فى أداء دورها، فإن الجمهور ارتبط عاطفياً بالنجمة آثار الحكيم، وأدائها وقصة الحب بينها، وبين ممدوح عبد العليم داخل الأحداث.

أما المشكلة الأخرى، تمثلت فى خلاف كبير حدث بين المخرج إسماعيل عبد الحافظ، وبين النجم ممدوح عبد العليم، بسبب ضغط المشاهد والتصوير طوال شهر رمضان، وصل الخلاف لطريق مسدود، حتى إن المخرج اتفق مع النجم الجديد فى ذلك الوقت محمود حميدة، لأداء دور على البدرى، لكن شاءت الظروف أن يتم تأجيل تصوير الجزء الرابع، فى العام التالى، ويقوم المخرج بتصوير مسلسل آخر بعنوان «الوسية» وفى العام التالى أثناء التحضير للجزء الرابع اتصل ممدوح عبد العليم، بالنجم يحيى الفخرانى، حتى يتوسط له فقام الفخرانى بعمل عزومة فى بيته، دعا لها أسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبد الحافظ، وممدوح عبد العليم، وتمت المصالحة فى بيت الفخرانى، وعاد ممدوح لتصوير دور على البدرى.

لكن فى هذا الجزء استجدت شخصية «علام السماحى»، ابن عم زينهم وطه السماحى، وقام بتجسيدها النجم الكبير صلاح قابيل، فى محاولة من المؤلف، لعودة الأصالة مرة أخرى للشارع فى الحلمية، بعد وفاة زينهم السماحى، لكن المسلسل تطرق بشكل أكبر فى هذا الجزء لسياسات الانفتاح الاقتصادى، والتغيرات التى أحدثها فى الشارع المصرى، وقوة رجال الأعمال فى فرض سيطرتهم على السوق التجارى.

كان معدل التصوير فى المسلسل يبدأ بـ 6 دقائق فى اليوم، ثم يرتفع إلى ثمانى دقائق، إلى أن نصل إلى نهاية شهر شعبان يصل المعدل إلى 16 دقيقة، ويزيد قليلا طوال شهر رمضان، لكن هذا الضغط فى أوقات التصوير تجعل الأولوية للاستغناء عن بعض المشاهد التى تحتاج لوقت طويل، وهو ما حدث فى الجزء الرابع، حيث كان من المفروض أن يتم تصوير خارجى فى الطريق الصحراوى لحادث سيارة مدبر ضد «ناجى السماحى» الذى كشف عن قضايا فساد تمس الكبار، مما جعله يتلقى تهديدات مباشرة، بأنه ممكن أن يتم تصفيته الجسدية بسهولة، لكنه صمم أن يمشى فى الطريق لآخره، كاشفاً الفساد بالمستندات وبالأسماء، مما جعلهم يدبرون له حادث سيارة يموت على إثره، لكن المشكلة أن وقت التصوير تأخر، مما جعل المخرج إسماعيل عبد الحافظ أن يستغنى عن تصوير الحادث ويجد البديل فى صورة ناجى، على الحائط وهى تسقط على الأرض حتى يستطيع اللحاق بوقت العرض بعد الإفطار.

بعد ثلاث سنوات من عرض الجزء الرابع، كتب أسامة أنور عكاشة الجزء الخامس والأخير، من «ليالى الحلمية» وأعلن أنه الجزء الأخير بالنسبة له، فيكفى أنه وصل بالأحداث إلى بداية فترة التسعينيات، ولا توجد أحداث أخرى، حتى غزو العراق للكويت، تم تناولها فى المسلسل لذلك سيكتفى بما قدم.

وبالفعل كان الجزء الخامس هو الأخير، لكن فى هذا الجزء انتهت شخصية علام السماحى، بوفاة الراحل صلاح قابيل، مما جعل المؤلف يفكر فى خلق شخصية جديدة من نفس سلالة أسرة السماحى، فقام بخلق شخصية «سيد أبو ليلة» صهر علام السماحى، الذى سيتولى إدارة القهوة من جديد، كأنه يقول إننا على بداية عالم جديد كل الأحلام به ممكنة من جديد، لكن فى هذا الجزء تحديداً هدأت حدة الصراع بين الجيل القديم، برغم وجوده، لكن كان الصراع الأكبر بين الجيل التالى، كذلك الإشارة إلى بعض المشكلات التى ظهرت فى المجتمع، وما وقع فيه شباب الجيل الجديد من أخطاء، وبرغم وجود أسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبد الحافظ، على قيد الحياة طوال أكثر من خمسة عشر عاماً بعد انتهاء الجزء الخامس فإنهما لم يفكرا فى إضافة أجزاء أخرى للمسلسل، لتبقى «ليالى الحلمية» أيقونة للدراما العربية طوال ثلاثة عقود ونصف العقد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى