دكتورة رانيا يحيى تكتب: الموسيقى العسكرية تلبى نداء الوطن

للعسكرية فى أذهاننا اعتبارات كثيرة ،وهى دائماً رمز الحماية والأمان على المستويين الداخلى والخارجى ،وفى مجالات الحياة المتعددة تتداخل الروح العسكرية مع المواطنين واحتياجاتهم وتسهم فى تلبيتها وتوفير متطلباتهم ،كما تسهم أيضاً فى زرع قيم الولاء والانتماء بوسائل شتى ،واحدة من أهمها فرق الموسيقى العسكرية التى تسهم فى شحن مشاعر الجنود بالروح القتالية ،والجسارة فى مواجهة الأعداء والحفاظ على أرض الوطن ،وكذلك طرد الملل والإحباط من نفوس الجنود ،بالإضافة لتحقيق المتطلبات المدنية للمواطنين مثل الأحوال الاجتماعية التى قد تعبر عنها تلك الفرق الموسيقية الجادة لإمتاع الجماهير عندما تجوب شوارع المدن فى المناسبات العامة والعطلات الرسمية المرافقة للاحتفالات القومية للدولة عن طريق المساهمة فى نشر الأغنيات الوطنية بين جموع المواطنين أثناء تقديم ،حيث يسير العازفون بخطوات عسكرية غالباً فى أوقات العزف مما يتطلب مهارة إضافية وتركيز من العازفين أثناء تأدية دورهم ،لذلك تكون هذه الفرق فى حاجة إلى أصوات عالية تنطلق فى الهواء الطلق فتصدر أصواتاً لديها القدرة على إحداث تغيير فى نفوس البشر فتبعث فيهم يقظة الهمم وإثارة الروح الوطنية لدى العسكريين والمدنيين على حدٍ سواء. ويغلب على هذه الفرق الاعتماد على آلات النفخ النحاسية ،وكثيراً ما يرافقها آلات الإيقاع ،وفى حال وجود بعض آلات وترية أثناء قيام الفرقة بدور الأوركسترا السيمفونى بعائلات آلاتها الثلاث (الوتريات والنفخ بشقيها الخشبية والنحاسية ومجموعة آلات الإيقاع) تكون بنسبة بسيطة لتظهر الفرقة بتكوينها الآلى الطبيعى وآلاتها النحاسية البارزة ،ورغم وجود عدد من آلات النفخ الخشبية إلا أنها بأعداد ضئيلة لأن طبيعة صوتها ليس بنفس قوة الصوت الصادر من الآلات النحاسية ،وإنما يتم مضاعفة الأعداد حتى تحدث تأثيراً ،ومن أهم ما يميز فرق الموسيقات العسكرية مظهرها المرتكز على الزى الرسمى والرتب العسكرية التى تضفى حالة من البهاء والجلال على الفرقة.
ولم تعد فرق الموسيقى العسكرية تعتمد فقط على المؤلفات التى كتبت خصيصاً لهذا الغرض وإنما تقدم أعمالاً لكبار الموسيقيين والمؤلفين تتسم بالصرامة والقوة والتى تتوافق مع أهداف هذه الفرق وتتماشى مع فلسفتها العامة ،كما يقوم بعض المؤلفين الموسيقيين بصياغة الأعمال الأوركسترالية أو السيمفونية الكبيرة لتتماشى مع هذه الفرقة فى مسايرة لانتمائها العسكرى وطابعها الفريد. وفى واقع الأمر أن الموسيقى العسكرية يتم التعامل معها باعتبارها هوية قومية للدولة نفسها ،وحينما أنشئت فى البدايات منذ أزمنة بعيدة كانت لغرض إثارة الحماسة فى نفوس الجنود داخل ميدان المعركة أو الحرب ،لكن تطور الأمر لتتقدم التشريفة العسكرية وتكون فى استقبال الملوك والرؤساء والأمراء ،وتقوم بعزف السلام الجمهورى للدولة ،والمشاركة فى المناسبات القومية والاجتماعية كما سبق وأشرنا وهى أهداف نبيلة بجانب دورها فى ساحة القتال.
ونجد تشابهاً جلياً بين المفهومين ربما يعتقد البعض تنافرهما واغترابهما ،ولكن واقع الأمر التماهى ما بين الموسيقى والعسكرية فبجانب المهارة ومواكبة أحدث أساليب التطور والتقدم ،والتقنيات الأدائية كافة ،يجب توافر الإبداع والتجدد والعطاء الزاخر والتفانى. وبالنسبة للجانب العسكرى فبطبيعة انتمائهم للقوات المسلحة ولشرف الجندية المصرية أصول فى الوطنية المفرطة نظراً لعقيدتهم المغروسة داخلهم فى حب الوطن وحمل لواء الأرض عرض ،وتستطيع أن تترجمه الموسيقى أيضاً بالأعمال الوطنية المحببة التى تثير شعورنا الوطنى تجاه بلدنا ،وهو ما نحتاج إلى تكثيفه وتدعيمه خلال الفترات القادمة فى المؤسسات المدنية المختلفة فى الدولة ،ونتمنى أن ترعى القوات المسلحة حملة لغرس قيم الولاء والانتماء تقودها فرق الموسيقى العسكرية التى تقدم عروضاً موسيقية وفنية تدعم روح الجسارة والبطولة لدى طوائف الشعب المختلفة وتعيد لنا الحماسة والقوة والانتماء للوطن. ونظرا للاقتراب النفسى والطمأنينة لدى الشعب المصرى فى التعامل مع هذه الفرق فيتحول الأمر لتصبح هذه الفرق ملكاً للشعب وليست ملكاً للجيش وحده ،لأنها تغزو قلوب السامعين وتمدّهم بالغذاء الروحى الذى نفتقده فى زمن التقهقر الفنى ،وحال هذه المشاركات يتضح الجانب الثقافى والإبداعى للقوات المسلحة بعيداً عن المدافع والدبابات والقوى العسكرية ذات البعد الآخر المُدافع عن أمننا واستقرارنا داخلياً وخارجياً باستخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الهدف السامى. كذلك توطيد العلاقة بين الموسيقى العسكرية وبين أبناء الوطن ليست وليدة الصدفة أو تعود لفترة زمنية قريبة بل تمتد جذورها لآلاف السنين حين ساهمت فى تاريخ مصرنا المجيد على مر العصور المختلفة منذ عهد الفراعنة وكانت قد شاركت بطبيعة دورها البارز فى تحقيق انتصاراته وبث روح العزيمة والنصر فى جنودنا الأبطال.
فمؤسستنا العسكرية النبيلة تلبى أدواراً عدة فى المجتمع ودائماً حائط الصد للدفاع عن سلامتنا لذا فالتقرب من المواطنين فى الشارع المصرى هو ضرورة فى المرحلة الراهنة والمقبلة لغرس القيم المفتقدة وخاصة مع اقترابنا من انتخابات المجلس النيابية وما يتطلبه الأمر من تهافت المصريين على المشاركة الانتخابية ،ويا حبذا إذا شاركت من خلال السفارات المصرية فى الخارج بأعداد بسيطة فى أيام الانتخابات بالزى العسكرى والفرعونى المميز وبالأناشيد الوطنية لدعم الحالة الوجدانية الحماسية فى نفوس المصريين وحنينهم لوطنهم وتشجيع الأجانب على السياحة لمصر من خلال نموذج فنى يداعب قلوب المصريين وموسيقانا ذات الإيقاع النابض لتثير رغبة الآخرين فى زيارة بلدنا ،وأيضاً حتى يعلو صوت كل مصرى بمرافقة دقات الطبول والآلات الموسيقية ذات البعد العسكرى معلنة انتصار تلبية نداء الوطن.
كاتبة المقال عضو المجلس القومى للمرأة