د. ميرنا القاضي تكتب: من إكسير الخلود.. إلى نار الحروب!

هل تصدق أن البـارود لم يُكتشف للحرب؟ بل للخلود!
لطالما اعتُبر البارود أحد أعظم الاكتشافات التي غيّرت مجرى التاريخ البشري، إذ لم يكن مجرد مادة تفجيرية، بل بوابة لعصر جديد من الحروب، والسياسة، والفتوحات، والتوازنات الدولية.
لكن البداية؟ لم تكن عسكرية كما قد تظن… بل كانت روحية، صوفية، وتبحث عن سر الخلود!
البدايات: بين أيدي الطاويين
في الصين القديمة، وتحديدًا خلال عهد أسرة تانغ (618–907 م)، كان الرهبان الطاويون يسعون لاكتشاف “إكسير الحياة” – مادة سحرية تمنح الخلود أو تطيل العمر.
كانوا يمزجون عناصر مختلفة مثل الكبريت (sulfur)، نترات البوتاسيوم (saltpeter)، والفحم النباتي… بحثًا عن الإكسير السحري.
لكن، بدل أن يحصلوا على جرعة الحياة الأبدية، حصلوا على انفجار مدوٍّ!
هذه الخلطة غير المقصودة، التي اشتعلت فجأة عند تعرّضها للنار، كانت أولى لحظات ميلاد البارود.
متى ظهر أول توثيق لاستخدام البارود؟
أقدم وصف مكتوب للبارود نجده في مخطوطة صينية تعود إلى القرن التاسع الميلادي، وتُعرف باسم “كتاب الأسرار الجوهرية لفنون النار” (Zhenyuan miaodao yaolüe)، والذي حذّر فيه المؤلف من أن بعض التركيبات قد “تُحدث اشتعالاً رهيبًا في اللحظة التي تُسخّن فيها”.
وخلال القرن العاشر، استخدم الصينيون البارود في ألعاب نارية احتفالية، ثم سرعان ما انتقل إلى أغراض عسكرية، حيث ظهرت:
الرماح النارية (أنابيب تطلق شهبًا نارية)
القنابل اليدوية البدائية
القذائف النارية
بل وحتى بدايات المدافع الصغيرة
من الصين إلى العالم
مع الزمن، انتقل سر البارود إلى العالم الإسلامي خلال القرن 13 م، غالبًا عبر طريق الحرير أو أثناء حروب المغول الذين انتقلوا بين الصين ووسط آسيا.
ثم نُقل لاحقًا إلى أوروبا، حيث طوّره الأوروبيون ليُصبح جوهرًا في الثورة العسكرية الأوروبية.
المفارقة التاريخية
ما بدأ كبحث عن الخلود… قاد إلى اختراع أداة جلبت الموت السريع!
لقد كان البارود اكتشافًا غير مقصود، لكنه رسم ملامح العصر الحديث، وأعاد صياغة فنون الحرب، كما غيّر مفاهيم السلطة والجغرافيا.