[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

د. عبد الرحيم ريحان يكتب: كفاح طيبة نموذج لرفض شعب مصر التوطين بسيناء

رواية شهيرة لنجيب محفوظ “كفاح طيبة” تصور كفاح شعب مصر في سبيل استرداد حريته وطرد الغزاة الهكسوس من بلادهم في إسقاط تاريخي للأحداث على كفاح الشعب المصري في أوائل القرن العشرين للتحرر من الاحتلال البريطاني، واليوم نعتبرها نموذج لوقوف شعب مصر مع قيادته السياسية لرفض التوطين فى سيناء.

ومن هذا المنطلق نتعرف على قصة كفاح المصريين لدحر المستعمر عبر أرض الفيروز التى كانت مقبرة لكل الغزاة عبر التاريخ
تشير الدكتورة رنا التونسى نائب رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية إلى احتلال الهكسوس مصر بالتزامن مع الأسرات الخامسة عشر والسادسة عشر وجزء من عصر الأسرة السابعة عشر، ولم يدخلوا مصر في هيئة جيش محارب بل قبائل متفرقة تشبه خطة توطين سيناء أو كما وصفها الدكتور عبد العزيز صالح “تحركات شعبوية كبيرة” تحت ضغط ظروف معينة قد تكون طبيعية أو بشرية غير معروفة لنا حتى الآن، ورجح البعض أن النقش الشهير الموجود على الجدار الشمالي لمقبرة (خنوم- حتب الثاني) عمدة إقليم “منعت خوفو” أو “مرضعة خوفو” الذى يسجل دخول عددًا من “العامو” هو تصوير لدخول الهكسوس مصر.

وتنوه الدكتورة رنا التونسى إلى أن إرهاصات التحرير بدأت من جنوب مصر وتحديدًا من إقليم طيبة حيث استطاع المصريون أن يمدوا نفوذهم حتى أبيدوس ويزيحوا الهكسوس ونفوذهم شمالًا حتى حدود القوصية، وتولت أسرة عظيمة في نهاية عصر الأسرة السابعة عشر أمر تحرير مصر من الهكسوس وهم الملك “سقنن رع” والملكة الزوجة والأم “إعح حتب” والأبن الأكبر “كامس” والإبن الثانى”أحمس” وأخدوا على عاتقهم حتمية طرد الهكسوس من مصر.

وتكشف الوثائق الأثرية قصة كفاح طيبة من خلال بردية كتبها طالب مصري يدعى”بنتاورة أو بنتاور” بعد خروج الهكسوس من مصر بحوالي 300 عام موضحًا بداية الصراع والاحتكاك بين حكام طيبة والهكسوس وقصة الاشتباك بين حاكم طيبة “سقتن رع” وملك الهكسوس “أبيبي” أو “أبوفيس” في أولى معارك التحرير والمصدر الثاني لهذه الأحداث هي جدران مقبرة القائد “أحمس بن أبانا” بالكاب الذي شهد على أحداث طرد الهكسوس أثناء خدمته العسكرية.

ذكر في بردية “بنتاورة” أن ملك الهكسوس “أبوفيس” وهو يحاول البحث عن مبرر كي يشتبك مع حاكم طبيبة الملك “سقنن رع أرسل إليه برسالة غريبة متحرشًا به يشكو فيها أن أصوات أفراس النهر التي تسبح في البحيرة المقدسة بمعبد الإله آمون في منطقة طيبة تزعج ملك الهكسوس وتمنعه من النوم في عاصمته البعيدة أواريس التي تقع في دلتا النيل وتبعد مئات الكيلومترات عن طيبة وانتهت البردية عند معاملة الملك “سقنن رع” للرسول معاملة حسنة وأكرمه وجمع رجاله وبدء يشاورهم في الأمر.

وبدأت معركة التحرير بسقوط الملك “سقنن رع” شهيدًا ومومياؤه بالمتحف المصري بالتحرير تؤكد ذلك وتوضح موته متأثرًا بجراحه وتم التأكد من هذا الأمر بعد تجربة بعض الأسلحة التي استخدمها الهكسوس وتطابقها مع معظم الجراح الموجودة بالجمجمة ثم تولى بعده درب الكفاح المر ابنه الأكبر”كامس”.

ولفتت الدكتورة رنا التونسى إلى أن “كامس” آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة في طيبة تسلم راية الجهاد ضد الهكسوس بعد استشهاد والده “سقنن- رع”، وهو ملك مصري عظيم أستطاع أن يمد حكم دولته من الجنوب حتى الشمال وبذلك أزاح تمدد حكم الهكسوس في مصر وحقق انتصارات مذهلة كما أن مجهوداته مهدت الطريق لسلفه لطردهم نهائيًا من مصر حيث أحكم الحصار الاقتصادي على أعدائه واستخدم الحرب النفسية ضدهم متعمدًا إرسال رسائل شديدة اللهجة تبث في نفوسهم الرعب كما أستطاع أن يبث الفرقة بينهم وسجلت بطولات هذا الملك على ثلاث وثائق مصرية تكمل كل منهما الأخرى

الوثيقة الأولى هي نص كتبه تلميذ مصري قديم على لوح خشبي بالخط الهيراطيقى يعرف بلوح “كارنارفون” نسبة إلى اسم مكتشفه حيث يفيد هذا اللوح أن “كامس” هزمهم شمال الأشمونيين في مصر الوسطى (محافظة المنيا).

الوثيقة الثانية مكتوبة على لوحة عثر عليها عام ۱۹۲۸ تفيد أن “كامس” كان شديد النقمة بعد استشهاد والده على استمرار الاحتلال البغيض لأرض مصر الطاهرة فطلب دعوة رجال بلاطه وقادة جيشه كي يشاورهم في الأمر وعرض عليهم نيته في محاربة الهكسوس الذين لم يكونوا يملكون الدلتا وحدها بل وصل نفوذهم إلى القوصية بأسيوط وشعر أن رجاله لا يميلون إلى الحرب وأنهم موافقون على الوضع الحالي قائلين “أنه مازال يتمتع بحقوقه في الأراضي الزراعية التي يستولى عليها الأجانب” ورفض “كامس” ذلك الموقف وصمم على قتال الهكسوس مهما كلفه الأمر على الرغم من ضعف موقفه وبالفعل تقدم “كامس” شمالاً حتى وصل إلى بلدة نفروسي (شمال القوصية في أسيوط) وانتصر على حاكمها الذي كان مواليًا ومتحالفًا مع الهكسوس.

ويستخلص من هذه الوثيقة أن مصر في هذه الفترة كانت مقسمة إلى ثلاثة أجزاء حيث قال “كاموس” “وأنا أجلس(في الحكم) يشاركني رجل من العامو وعبد وكل رجل منهما مسئول عن جزءه في مصر، إني لا أكاد أن أبلغ منف”: الدلتا ومصر الوسطى في قبضة الهكسوس.

مصر العليا تحت حكم المصريين “كامس”، بلاد النوبة يحكمها الكوشيين.

والوثيقة الثالثة هي لوحة كاملة من الحجر الجيري عثر عليها في معابد الكرنك عام ١٩٥٤ وتكمل أحداث الوثيقتين السابقتين وتروي لنا قصة استمرار انتصارات “كامس” على الهكسوس وعن الرعب الذي أدخله جيش مصر العظيم في قلوب أعدائه من الهكسوس المحتلين.

كما تقص أيضا هذه اللوحة الغنائم التي حصل عليها “كامس” من أسر رسول بعث به ملك الهكسوس “أبوفيس” لإيصال رسالة منه إلى ملك كوش في بلاد النوبة العليا حيث يطلب منه المساعدة ومهاجمة مصر من الجنوب أثناء انشغال “کامس” في حروبه في الشمال بحيث يحاصر “كامس” وجيشه العظيم شمالًا وجنوبًا ثم يعدد المدن التي استولى عليها، وفي العام الثالث من حكم الملك الكوشى نفذ “كامس” حملة عسكرية مفاجئة ضد الكوشيين أعوان الهكسوس في جنوب مصر كي يقطع الإمدادات والصلات بين عدوه الأساسي(الهكسوس) وحليف عدوه (الملك الكوشى) كما أنه قام بحملة عسكرية أخرى ضده في العام الرابع أو الخامس من حكمه.

وانتهت الحرب بتحرير عاصمة الهكسوس “أواريس” في شرق الدلتا المصرية على يد أخيه الأصغر قاهر الهكسوس الملك البطل محرر مصر من هذه المحنة الملك العظيم مؤسس الأسرة الثامنة عشرة والدولة الحديثة وعصر الإمبراطورية المصرية المجيدة في الشرق الأدنى القديم “أحمس الأول”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى