[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

دكتور عبد الرحيم ريحان يكتب: حور محب.. أول حاكم عسكرى فى مصر القديمة

ونحن نعيش أجواء احتفالات مصر بعيد القيامة ونهنئ شركاء الوطن بالعيد وعيد شم النسيم وهو عيد مصرى قديم يحتفل به كل المصريين إلى عيد تحرير سيناء نلقى الضوء على البطولات العسكرية المصرية القديمة.

ومن هذا المنطلق كانت دراسة الدكتورة رنا التونسى الباحثة فى الآثار المصرية القديمة نائب رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية عن شخصية الملك “حور محب”.

تشير الدكتورة رنا التونسى إلى أن “حور محب” هو أول حاكم عسكرى بالمعنى الحديث فى مصر القديمة وأخر ملوك الأسرة الثامنة عشر قبل أن يتولى حكم البلاد ويصبح ملكًا كان قائدًا للجيش في عهد”أمنحتب الرابع (إخناتون) ووريثه “توت عنخ أمن” و” آي”، كما أعتبره العديد من المؤرخين الأب الروحى للرعامسة.
كانت مصر فى هذه الفترة تعانى من الاضطرابات الدينية والسياسية التي سببها “إخناتون” بسبب ثورته على الكثير من عادات المجتمع المصرى القديم آنذاك وأهمها الديانة، وانتشار مذهب النفاق فى عهده بين رجال حاشيته لأن مصلحتهم اقتضت ذلك، وربما كان عددًا كبيرًا منهم يكرهونه ويكرهون إلهه المفروض عليهم، إضافة إلى الخراب والتفكك الداخلى فى عهده ومابعده الذى أدى إلى تقلص مساحة الإمبراطورية المصرية بشكل كبير، كما ترك سكان طيبة عاصمة مصر آنذاك وانصرف عنهم لبناء عاصمته الجديدة بتل العمارنة وجمع فيها حاشيته والمؤمنون به وبمذهبه.


ولم تتفق الآراء تجاه إخناتون فهى أقصى اليمين أو أقصى اليسار فيراه فريق حاكمًا مهرطقًا مارقًا ضعيفًا درويشًا ويراه فريق آخر نبى وفيلسوف وأول الموحدين.

ولا شك أن “حور محب” كان يعلم جيدًا ما ستئول إليه أحوال مصر الداخلية والخارجية منذ تولى “إخناتون” عرش مصر وربما لم يكن راضيًا عن ما يحدث فى هذه الفترة من السياسات التى انتهجتها الدولة المصرية وخاصة السياسات الخارجية التى أدت إلى تقليص مساحة الإمبراطورية المصرية التى دفع أجداده ثمنها من دماؤهم وأرواحهم أثناء و بعد فترة الحروب مع الهكسوس حتى طردهم من مصر،

وتضيف الدكتورة رنا التونسى من الوارد أيضا أن”حور محب” كان قادرًا على حكم مصر واعتلاء العرش رسميًا والإطاحة ب”إخناتون” بإعتباره قائدًا لواحد من أقوى الجيوش ليست جيوش الشرق الأدنى فقط بل جيوش العالم كله، كما أنه كان قادرًا أن يكون حائلًا أمام تولى”توت عنخ آمن ” العرش ولكنه استمر على مبدأه كقائد عسكرى ووصيًا على عرش الملك الصغير ومحاربًا مقاتلًا فى الحفاظ على حدود الامبراطورية المصرية وبعد مقتل الملك الصغير من المؤكد أنه كان قادرًا لثالث مرة على إعتلاء العرش بسبب الفراغ السياسى وعدم وجود وريث شرعى فى الأسرة الحاكمة ومع ذلك ترك شخصًا ليس له اى أحقية فى تولى الحكم وهو الملك “آى”.
تولى “حور محب” حكم البلاد بعد موت الملك “آى” فانطلق بها إنطلاقة عظيمة تليق بقائد شجاع فى جميع شئونها الداخلية والخارجية ولم يكن” حور محب” خلال فترة حكم الثلاث ملوك السابقين متفرجًا ذو موقف سلبى بل خاض العديد من الحملات والحروب حفاظًا على حدود مصر من أعدائها الذين كانوا فى منتهى العنف والشراسة.

 


فقام بإعادة النظام والاستقرار إلى مصر وقام بعدة إصلاحات إدارية وقضائية المعروفة “بتشريعات حور محب” وهى تعتبر من أهم أحداث عصره كما أنها اعتبرت من أهم الإصلاحات القانونية والإدارية في تاريخ مصر القديمة خاصة بعد فترة الاضطرابات التي شهدتها البلاد في عهد أخناتون ومن تلاه وتهدف هذه التشريعات بشكل أساسي إلى إعادة النظام والاستقرار ومكافحة الفساد.
وتنوه الدكتورة رنا التونسى إلى أهم جوانب تشريعات حور محب في النقاط التالية:
– مكافحة الفساد والإبتزاز: حيث ركزت بشكل كبير على معاقبة المسؤولين الفاسدين الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية أو ابتزاز الفلاحين وشملت العقوبات الضرب والتشويه (قطع الأنف) والنفي كما عمل على تحسين رواتب الموظفين والقضاة والجنود لتقليل دوافع الفساد.
– حماية حقوق الملكية: حيث تناولت التشريعات جرائم السرقة وإخفاء الأموال المسروقة والاختطاف والنهب وإيواء العبيد الهاربين بهدف حماية ممتلكات الأفراد والدولة.
– تنظيم التجارة: وضعت بعض الأحكام المتعلقة بالتجارة مثل القروض والوكالة ونقل البضائع والفوائد والشراكة.
– الأضرار والمسؤولية المدنية: عالجت المسائل المتعلقة بالأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات والإهمال الزراعي ومعدلات الإيجار والأجور وبيع العبيد وغيرها الكثير.

يرى البعض أن تشريعات حور محب كانت بمثابة إعادة تنظيم للجهاز الإداري في البلاد أكثر من كونها قانونًا شاملًا لكافة جوانب الحياة وساهمت هذه التشريعات بشكل كبير في إعادة الاستقرار إلى مصر بعد فترة الفوضى كما أنها اعتبرت من أوائل المحاولات الجادة لمكافحة الفساد في التاريخ وهدفت إلى حماية الفلاحين والفقراء من ظلم واستغلال المسؤولين.
و يُنظر إليها على أنها وضعت أسسًا لإدارة الدولة والقانون في عصور لاحقة قام بإصلاحات جذرية في نظام الحكم والإدارة وقسم السلطة القضائية بين وزيرين للحد من الفساد.

قام بترميم العديد من المعابد التي تضررت في عهد إخناتون وأضاف صروحًا ضخمة إلى معبد الكرنك ولكن تصرفه الذى يأخذه عليه البعض هو محو آثار فترة العمارنة فقد عمل على محو كل ما يمت بصلة لحكم إخناتون ومعتقداته الدينية(ربما لضمان توحيد صفوف المجتمع المصرى حتى لايستمر التفكك.

أما هدوءه الظاهرى فى التعامل مع الأحوال الداخلية المتدهورة فى فترة عمله كقائد للجيش ربما كان هدفها عدم إقحام البلاد فى حرب أهلية وصدام بين حاشية إخناتون وبين الجيش ولا مع سلطة الكهنة الدينية حاشية “آى” وتأثيرها الساحر على الشعب المصرى فى مواجهة الجيش المصرى، كما أن دخوله فى صراع داخلى على الحكم وتشتييت الجيش بين الداخل والخارج سيكون فرصة عظيمة للعدو المتربص لاحتلال مصر أو على الأقل جزءًا منه خاصة أن هذه الفترة تحالف الأعداء من أجل هدم مصر واحتلالها من جديد.
مات “حور محب” بعد فترة حكم تختلف فيها المصادر قليلًا ولكنها تشير إلى أنها تتراوح ما بين 27 إلى 30 عامًا من حوالي عام 1319 إلى 1292 ق.م، وتولى حكم مصر بعده وزيره ورجله الأول “رمسيس الأول” مؤسس الأسرة التاسعة عشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى