[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

دكتورة ميرنا القاضي تكتب: رحلة مستر بيست بين الأسرار والمسكوت عنه

حين يُفتح باب الزمن أمام أعين العالم في قلب الصحراء المصرية، حيث تمتد الرمال كبحر أبدي، وتقف الأهرامات كشاهد صامت على أعظم حضارات الأرض، حطّ مستر بيست رحاله في مغامرة لم يكن لها مثيل. لم تكن مجرد زيارة سياحية، ولم تكن مجرد جولة في ممرات مألوفة، بل كانت اختراقًا للزمن، رحلة إلى أماكن لم يصلها إلا قلة من الباحثين، وسؤالًا مفتوحًا حول العلاقة بين الماضي والمستقبل، بين الحجر والبكسل، بين الأسطورة والعلم.

هذه الرحلة، التي وُصفت بأنها “الأكثر جرأة في تاريخ اليوتيوب”، لم تكتفِ بالكشف عن غرف مغلقة، بل فتحت أبوابًا فلسفية حول كيف يمكن للتقنية الحديثة أن تُعيد صياغة سرديات التاريخ، وكيف يمكن أن يتحول التراث إلى تجربة رقمية تفاعلية، تُحاكي عظمة الحضارة المصرية، وتعيد تعريف علاقتنا به.

 

الفصل الأول: اختراق الممنوع… حين تصبح الكاميرا مفتاحًا للعوالم الموازية

بدأت المغامرة بتحدٍّ غير مسبوق: تصريح استثنائي بالتصوير داخل الأهرامات لمدة 100 ساعة، وهو امتياز لم يُمنح إلا لعدد قليل من الشخصيات العالمية. لكن الأهم من المدة، كان المكان. لم تكن الكاميرات مجرد أدوات توثيق، بل تحولت إلى أدوات “حفر رقمي” تكشف عن زوايا لم تُرَ من قبل.

أولى المحطات كانت الهرم الأكبر خوفو، حيث تمكن مستر بيست من دخول الممرات الداخلية وصولًا إلى القاعة الكبرى (Grand Gallery)، حيث التقت الحضارة بالتكنولوجيا في مشهد استثنائي.

لكن المشهد الأكثر إثارة حدث عندما اقترب الفريق من مقبرة أوزوريس، التي يُقال إنها “بوابة العالم السفلي”. هذه المقبرة، المكتشفة عام 1999، لم تُفتح للعامة منذ اكتشافها، بسبب تعقيد ممراتها وخطورتها الهيكلية. وللمرة الأولى، تمكنت كاميرات مستر بيست من توثيق تفاصيلها الداخلية، حيث ظهرت نقوش غامضة تشير إلى طقوس دينية ما زال الباحثون يسعون لفك رموزها.

 

الفصل الثاني: مقابر العمال… إعادة كتابة سردية بناء الأهرامات

لم تكن الأهرامات مجرد صروح عملاقة، بل كانت نتاج عمل آلاف العمال المهرة الذين كُرّموا بدفنهم في مقابر خاصة بالقرب منها. هنا، عند مقابر العمال، كان الاكتشاف الأكثر إنسانية.

وسط الرمال الصامتة، كشفت الكاميرات عن تفاصيل لم تُعرض عالميًا من قبل:

نقوش تمثل مشاهد حياتية للعمال، تُظهرهم أثناء تحضير الطعام، وصناعة النبيذ، وقطع الأحجار.

هياكل عظمية تُظهر آثار إجهاد الظهر والعضلات، دليلًا ماديًا على العمل الشاق الذي بذله هؤلاء العمال، مما يدحض أسطورة “العبيد والكائنات الفضائية”.

في هذا المكان، لم يكن مستر بيست مجرد زائر، بل كان شاهدًا على الجانب الإنساني للحضارة، حيث التقى الماضي بالحاضر في لحظة استثنائية تُعيد تعريف بناء الأهرامات كعمل جماعي، لا كمعجزة غامضة.

 

الفصل الثالث: الأهرامات ككائن حي… حين تتحول الحجارة إلى سردية تفاعلية

ليست الأهرامات مجرد مبانٍ صامتة، بل هي كيانات حية تحمل تاريخًا يتفاعل مع من يزورها. في أحد مشاهد الفيديو، وبينما كان الفريق يستكشف الغرف العلوية داخل الهرم الأكبر، اندفع سرب من الخفافيش بشكل مفاجئ، وكأنها رسالة غير متوقعة من الماضي.

أما في القاعة الكبرى، حيث يصل ارتفاع السقف إلى 9 أمتار، فقد وقف مستر بيست منبهرًا، قائلًا: “هذا أروع شيء رأيته في حياتي!”، بينما سأل أحد أعضاء الفريق: “هل يجوز الاستلقاء هنا؟”، ليرد المرشد بابتسامة غامضة: “الأهم ألا نستفز اللعنات!”.

 

الفصل الرابع: الترويج الذكي أم انتهاك قدسية الأثر؟

أثارت هذه الزيارة جدلًا عالميًا:هل هي استثمار سياحي ذكي يوظف قوة الإعلام الرقمي؟أ م أنها انتهاك لقدسية المواقع الأثرية بمنح شخصية إعلامية صلاحيات تفوق تلك الممنوحة للباحثين؟

لكن الحكومة المصرية دافعت عن القرار، موضحة أن التصوير تم خارج أوقات العمل الرسمية، وأن الهدف كان تسليط الضوء على التراث المصري لجذب ملايين الزوار الجدد.

وبالفعل، حقق الفيديو 37 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة، مما انعكس مباشرة على ارتفاع حجوزات الفنادق في القاهرة بنسبة 40%، وفقًا لتقارير سياحية محلية.

 

الفصل الخامس: الرسالة إلى المستقبل… بين الأسطورة والعلم

في حركة رمزية غير متوقعة، قام مستر بيست بدفن تميمة ذهبية تحت الرمال، مرفقة برسالة مخبأة أسفل تمثال أبو الهول، في إيماءة تُحاكي طقوس الفراعنة. فهل كان هذا مجرد استعراض إعلامي، أم محاولة لخلق “أثر رقمي” يُعيد تعريف العلاقة بين الماضي والمستقبل؟

المفارقة أن هذه الخطوة جاءت في الوقت ذاته الذي اكتشف فيه فريق البحث أن الغرفة المُشاع وجود “معبد ذهبي” تحتها فارغة، مما يُظهر كيف تُستخدم الأساطير الحديثة لتعويض الفراغ الأثري.

 

مَن يكتب التاريخ في عصر الميتافيرس؟

رحلة مستر بيست إلى الأهرامات لم تكن مجرد فيديو على اليوتيوب، بل كانت تجربة أنثروبولوجية تفتح أسئلة جوهرية:

1. كيف يمكن توظيف التكنولوجيا لخلق تاريخ تفاعلي يُبقي الحضارات القديمة حيّة؟

2. ما الحدود الأخلاقية بين “التوثيق” و”الاستغلال” في المواقع الأثرية؟

3. هل يصبح “التأثير الرقمي” أقوى من الأبحاث الأكاديمية في تشكيل وعي الأجيال القادمة بالتاريخ؟

 

ربما تكون الإجابة في كلمات د. زاهي حواس: “المصريون هم البناؤون الحقيقيون”، لكن السؤال الأهم: من سيكون “البناؤون الجدد” لسرديات التاريخ في عصر الميتافيرس؟

اليوم، تُصبح الأهرامات ليس فقط رمزًا للغموض، بل منصة حوار بين العصور. وكما ترك الفراعنة رسائلهم في النقوش، يترك مستر بيست رسالته في فيديو مدته 21 دقيقة… فهل نستطيع قراءة المستقبل بنفس الدقة التي نقرأ بها الماضي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى