ميرنا القاضي تكتب: بابا نويل.. الأسطورة المستوحاة من القديس نيكولاس
“بابا نويل” أو “سانتا كلوز” هو شخصية شهيرة يرتبط اسمها بعيد الميلاد. يظهر في المخيلة الشعبية كرجل عجوز لطيف ببدلة حمراء، ولحية بيضاء، يحمل كيسًا مملوءًا بالهدايا للأطفال. لكن خلف هذه الصورة الخيالية تكمن قصة حقيقية مستوحاة من حياة القديس نيكولاس، الذي عاش في القرن الرابع الميلادي. في هذا المقال، سنتعرف على أصول بابا نويل، كيف تطورت شخصيته، ولماذا أصبحت رمزًا عالميًا للكرم والمحبة.
القديس نيكولاس: البذرة الأولى لأسطورة بابا نويل
ولد القديس نيكولاس في القرن الرابع الميلادي في مدينة باتارا (تركيا الحديثة). أصبح أسقفًا في مدينة ميرا، واشتهر بأعماله الخيرية ومساعدته للفقراء والمحتاجين. كان يقوم بتقديم الهدايا سرًا للأسر المحتاجة، ووضع العملات الذهبية في أحذية الأطفال أثناء الليل دون أن يكشف هويته. هذه العادة أكسبته شهرة واسعة في أوروبا، وخاصة بعد وفاته في شهر ديسمبر.
انتشار قصة القديس نيكولاس:
بعد وفاة القديس نيكولاس، انتشرت سيرته في العديد من البلدان الأوروبية، خاصة في روسيا، ألمانيا، وهولندا. أصبح نيكولاس رمزًا للكرم والتضحية، وكان يُحتفل به في يوم 6 ديسمبر. في هولندا، كان يُعرف باسم “سينتر كلاس” (Sinterklaas)، وهو الاسم الذي انتقل إلى الولايات المتحدة مع المهاجرين الهولنديين وتحول إلى “سانتا كلوز”.
تحول القديس نيكولاس إلى بابا نويل الحديث:
رغم جذوره الدينية، تحولت شخصية القديس نيكولاس مع الوقت إلى رمز احتفالي عالمي. في القرن الـ19، ساهم الشاعر الأمريكي كليمنت كلارك مور في تشكيل صورة سانتا كلوز من خلال قصيدته الشهيرة “الليلة السابقة لعيد الميلاد” (1823). وصف الشاعر سانتا كلوز بأنه رجل مرح يسافر بمزلجة تجرها الأيائل ويهبط عبر مداخن المنازل لتوزيع الهدايا على الأطفال.
أما الصورة المرئية الحديثة لبابا نويل، فقد ظهرت على يد الرسام الأمريكي توماس نيست عام 1881 في مجلة “هاربرز”. رسم نيست سانتا كلوز ببدلة حمراء، ولحية بيضاء كثيفة، ووجه مبتسم. هذه الصورة أصبحت مرجعًا لشكل بابا نويل في جميع أنحاء العالم.
جذور الاحتفال بالهدايا في ديسمبر:
تعود عادة تبادل الهدايا في شهر ديسمبر إلى التقاليد الرومانية القديمة خلال مهرجان “ساتورناليا”، وهو احتفال وثني تكريمًا للإله ساتورن. لاحقًا، حظرت الكنيسة الكاثوليكية هذه العادة بسبب أصولها الوثنية. لكنها عادت للظهور بفضل ارتباطها بقصة القديس نيكولاس.
رمزية بابا نويل في العصر الحديث:
اليوم، يمثل بابا نويل رمزًا للفرح، الكرم، والمحبة. على الرغم من ارتباطه بالتقاليد المسيحية، إلا أن شخصيته تجاوزت الحدود الدينية لتصبح جزءًا من الثقافة العالمية. يحتفل به الأطفال والكبار على حد سواء، وينتظرونه كل عام ليجلب الهدايا وينشر السعادة.
تجمع شخصية بابا نويل بين التاريخ والأسطورة، وبين الواقع والخيال. من القديس نيكولاس الذي كرّس حياته لمساعدة الفقراء، إلى بابا نويل العصري الذي يجلب الفرح للأطفال، تجسد هذه الشخصية قيم الكرم والمحبة التي تظل خالدة في قلوب الناس. إن قصة بابا نويل ليست مجرد حكاية عيد ميلاد، بل هي رمز للإنسانية والدفء الذي يحتاجه العالم في كل وقت.