تونس تتأهب لموسم سياحي استثنائي مع تزايد الحجوزات الصيفية
تعيش السياحة التونسية هذه الفترة نشاطا كبيرا، حيث تشهد المنتجعات السياحية والفنادق في الولايات المطلة على المتوسط ارتفاعا في نسبة الوافدين الأجانب، مع عدم وجود حجوزات جديدة حتى أكتوبر المقبل مما يشي بموسم واعد، بحسب خبراء.
واستعادت السوق المحلية وتيرة السياحة الأجنبية الوافدة تدريجيا منذ عام 2022، في وقت تؤشر فيه أرقام العام الجاري على أنها ستتجاوز سنة ما قبل الوباء، حيث من المتوقع دخول أكثر من 9 ملايين سائح، في تجاوز لأرقام 2019 التي سبقت إغلاقات جائحة كورونا.
وبعد ركود نتيجة لإجراءات الإغلاق التي رافقت جائحة كورونا في عامي 2020 و2021، تعافى قطاع السياحة جزئيا العام الماضي مع استقبال أكثر من 6.4 مليون سائح وتحقيق إيرادات تجاوزت 1.3 مليار دولار.
ويمثل القطاع السياحي في تونس أحد أهم أعمدة الاقتصاد، إذ يساهم بأكثر من سبعة في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد ويوفر 400 ألف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر.
ويأتي تفاؤل السلطات والعاملين بالقطاع، بينما تشير توقعات الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” إلى طلب غير مسبوق على السفر والرحلات الجوية خلال موسم الصيف في مختلف دول العالم.
أما على مستوى تونس، فيتوقع الخبير في السياحة فؤاد بوسلامة أن تتجاوز البلاد التونسية هذا العام رقم 9 ملايين سائح الذي حققته البلاد عام 2019.
وقال إن “أرقام موسم السياحة للعام الجاري ستكون واعدة، بالنظر إلى استعادة كامل طاقة المطارات والحدود لأدائها، بعد إغلاقات جائحة كورونا”.
وحول تجاوز قطاع السياحة لتداعيات عمليات إرهابية قوية عام 2015، وأزمة كورونا لسنوات 2020 و2021، أكد بوسلامة “تجاوزنا تداعيات العمليات الإرهابية، وكورونا، ونعتبرها من الماضي.. إنها عمليات معزولة”.
وهذا نفسه ما أشار إليه المدير المركزي للترويج بالديوان الوطني للسياحة لطفي ماني في تصريح سابق، إذ أفاد بأن تونس كسائر بلدان العالم أصيب فيها النشاط السياحي بشلل تام لمدة تجاوزت العامين، متابعا “لكن مع منتصف سنة 2022 طوينا صفحة جائحة كورونا”.
ويسير العام الحالي في اتجاه التوقعات نفسها للعام الماضي وربما أفضل من خلال نسق الحجوزات، وفق ماني، موضحا أنه جرى تسجيل أرقام جيدة حتى العاشر من مايو/أيار مع بلوغ عدد الوافدين مليونين و400 ألف سائح بزيادة 93.5 في المئة تقريبا مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022 وهو ما يقل بشكل طفيف جدا عن أرقام عام 2019 بنسبة بلغت 0.6 في المئة.
وتملك البلاد بنية تحتية للسياحة مجهزة وقادرة على استيعاب الرحلات المتوقعة خلال فصل الصيف الذي يشكل ذروة الطلب على المرافق السياحية في البلاد، بحسب بوسلامة، قائلا “لدينا 840 فندقا و220 ألف سرير و1100 وكالة سفر، إلى جانب 357 مطعما مصنفة على أنها سياحية والقطاع يشغل 600 ألف عامل ويعيش منه ما يقارب 2.8 مليون نسمة”.’
وتأمل السلطات في أن يحقق قطاع السياحة أرقاما جيدة هذا الموسم تسهم في إنعاش الاقتصاد الذي يعاني من أزمة حادة تفاقمت بسبب الجائحة ما أدى إلى إفلاس عدد كبير من المؤسسات السياحية وفقد الآلاف لوظائفهم.
إلا أن الحكومة التونسية وفق بوسلامة مطالبة برفع ميزانيات الترويج للسياحة في تونس، حتى تكون قادرة على جلب مختلف القوالب السياحية، مثل المغامرات، وسياحة المعارض، والسياحة الشاطئية وغيرها.
وصرحت وزارة السياحة، مؤخرا، بأنها شرعت في مخطط عملي لجعل القطاع يستأنف نشاطه لما قبل أزمة كورونا وتنويع المنتجات السياحية لاستقطاب المزيد من الزوار.
وقال بوسلامة عن ذلك “نعم هذا موجود، ولكن لا ننسى أن الفنادق عليها مديونية تثقل كاهل أصحابها، وصلت إلى نحو 4 مليارات دينار (1.29 مليار دولار) وهو رقم مفزع”.
وأضاف “يجب أن نأخذ بيد هؤلاء ليواصلوا العمل، وحتى إعادة الجدولة لا تنفع، لا بد من النظر في المديونية لكل ملف على حدة”.
واعتبر أن المساعدات الحكومية للفنادق والدعم الذي تقدمه للعاملين في القطاع خلال الأزمة الصحية غير كافيين.
وأوضح أن الدولة ربطت هذه المساعدات بالانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، الذي يتكفل بالمعاشات والمنح العائلية، كما أن صاحب المؤسسة غير قادر على الدفع، بما يعني أنهم لم يتمتعوا وبقوا يعانون الأمرّين.
ولفت إلى أهمية مساهمة القطاع في الاقتصاد، قائلا “لا ننسى أن ثلث ميزانية الدولة كان يدخل بالعملة الصعبة من السياحة، ولو كنا اليوم في هذا الوضع، لما كنا بحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي”.
وشدد على أن تونس قادرة على العودة إلى هذا الوضع، لكنه ربط ذلك بضخ المزيد من الأموال في القطاع “فثلث الفنادق مغلقة والثلث الآخر فتح بصعوبة”.
وتشير التقديرات إلى أن تبعات الحرب في شرق أوروبا أفقدت السوق التونسية قرابة 650 ألف سائح روسي وحوالي مئة ألف سائح أوكراني.
إلا أن بوسلامة اعتبر أن السياح من بلدان المغرب العربي وخاصة الجزائر وليبيا، مضمون مجيؤهم بحكم الجوار والقرب والعقلية، قائلا “ننتظر أن يأتي هذا العام مليونا سائح جزائري”.
وأضاف “لا بد من تسهيل عملية العبور، فهم لا يأتون في إطار سياحة منظمة، ولا يجب أن نتركهم ينتظرون في الحدود بين خمس وست ساعات قبل الدخول إلى تونس”.
ويرى أن من المهم التشديد في المعابر على إدخال العملة الصعبة من قبل هؤلاء السياح، وهنا بإمكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي أن يشترط على كل سائح إدخال 200 يورو على الأقل قبل الدخول إلى البلاد.
وبحسب بعض الأرقام، يصل إنفاق السائح الجزائري نحو 114 دينارا (36.7 دولارا) يوميا، والليبي ينفق 96 دينارا (30.9 دولارا) وإذا تم التشديد على دخول العملة الصعبة في المعابر، ستكون هناك مداخيل هامة تقدر بنحو 8.4 مليار دينار (2.7 مليار دولار).
ويرجح الخبير دخول عملة صعبة هامة من السياحة الجزائرية، كما أن وكالات السفر عليها إدخال عملة صعبة.
وثمة رهانات كبيرة على السياحة الداخلية لتنشيط القطاع، وبالتالي إنعاش الاقتصاد المحلي، الذي يعتمد عليه كثيرا رغم كل التحديات وأبرزها التكاليف.
ويؤكد بوسلامة أهمية السياحة الداخلية بالقول إن “السائح التونسي ينفق ما ينفقه 2.4 من السياح الأجانب وهذا رقم لا يستهان به، ولا يجب وضع حواجز أمام التونسي الذي يجب أن يكون موضع احترام في بلاده”.
وقال إن “14 في المئة من الليالي المحجوزة في الفنادق، هي للسياح المحليين، ولكن طبعا هذه النسبة لا تسمح باستمرار نزل في العمل كامل السنة، ولكن التونسي ينفق جيدا”.
وبحسب بيانات رسمية نشرها البنك المركزي التونسي، فإن إيرادات القطاع السياحي التونسي سجلت منذ بداية العام وحتى مارس/آذار 2023 ارتفاعا بنسبة 66 في المئة المقارنة مع النتائج المسجلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ورغم المؤشرات الإيجابية يعاني القطاع من صعوبات، أبرزها أوضاع وسائل النقل برا وبحرا وجوا وعدم تحسين البنية التحتية ليس فقط على مستوى التجهيزات، بل حتى على المستوى التنظيمي، وفقا لرئيسة الجامعة التونسية للفنادق درة ميلاد.
ولفتت ميلاد في تصريحات تلفزيونية إلى أنها متفائلة من الانتعاش الذي يشهده القطاع السياحي التونسي هذا العام بعد ركود دام عامين، لكنها ترى أنه تحسن مرهون بتطوير الخدمات.