بيت السناري.. تحفة معمارية فى حارة مونج
إيمان عيسى
يعد بيت السناري أحد القصور الفاخرة التي كانت تبنى للأثرياء فى ذلك الوقت، بناه “إبراهيم كتخدا السناري”عام 1209 هـ/1794م، وإبراهيم السناري هو سوداني الأصل جاء إلى القاهرة من مدينة دنقلة السودانية، ويشير الجبرتي إلى أنه جاء للوجه البحري وعمل بواباً بمدينة المنصورة ودخل في معية الأغنياء والقادة وتعلم اللغة التركية وقرر بناء دار له بالناصرية بحي السيدة زينب، وصرف عليها أموالاً وصار له حاشيه وجواري واتباع وظل كذلك حتي يوم 17 جمادي الاخرة 1206 هـ حيث ُقتل في الاسكندريه مع غيره من الأمراء الذي كان حسين باشا القبطان العثماني قد طلبهم للحضور إليه فلما حضروا قتلهم جميعا ودفنوا بالاسكندرية.
يقع هذا المنزل في حي الناصرية بالسيدة زينب في نهاية حارة غير نافذة تُعرف حاليًّا بحارة مونج، وهو يُعد واحدًا من القصور الفخمة الباقية التي تم بناؤها للصفوة في هذه المنطقة.
وصفه
تم بناء هذا المنزل كبيوت الأثرياء حيث يضم معظم سمات عصر المماليك فيحمل هذا المنزل بين جدرانه وأسقفه جماليات الفن المعماري الزخرفي، مما يجعله تحفة نادرة في شكل بيت أثري. كما أنه نموذج مكتمل التكـوين، بدليل مـا يظـهر فـي عمارته الفريدة بوجود المشربيات الرائـعة التــي تطل بواجـهتها على الشــارع الرئيسي. فـي حـين تتوسط فناء البيت من الداخل نافورة متميزة.
وهناك قاعة للحريم والتي تمتد من ناحية الشارع في المقدمة إلى المقعد في الخلف، وملقف هواء يواجه القاعة من الناحية الشمالية لتقليل الإحساس بدرجة الحرارة أثناء الصيف. وفي واجهة البيت كَانت هناك حديقةَ واسعة، وما يميز هذه الدار الأثرية عــن بقية الـبيوت الأخرى ذات العمــارة الإسلامية ، استخــدام الخشب في بنائها إلى جوار الحجر، مـن دون أي مواد مساندة.وهذا مـا يجعلها نموذجا للبناء الســـائد في تلك الفترة. ويوجد هنــاك أيضا ملقف هواء في الناحية اليمنى من البيت، وهي الفتحة الموجودة بالسقف لإدخال هواء رطـب، وبالتالي جعل جو الدار مقبولاً أثناء النهار لدى ارتفاع حرارة الجو.
وعلى غرار المجمع العلمي الفرنسي، ضم المجمع أربعة أقسام هي: قسم الرياضيات وقسم الطبيعة وقسم الاقتصاد السياسي وقسم الآداب والفنون الجميلة. وشهدت أولى جلساته انتخاب مونج رئيسًا له وبونابرت نائبًا للرئيس وفورجييه سكرتيرًا. وبمغادرة الفرنسيين مصر في عام 1801، توقف نشاط المعهد لانتهاء سبب وجوده.
وفي عام 1916، قدم جاياردون بك طلبًا لأعضاء لجنة حفظ الآثار يرجو فيه السماح له باستئجار منزل السناري كي يجعله متحفًا ويعرض فيه مجموعته الخاصة التي تتحدث عن الحملة الفرنسية على مصر وسوريا. وقد تمت الموافقة على هذا الطلب، وفي المدة من عام 1917-1926 أقام جاياردون بك متحفًا باسم بونابرت وأُغلق بعد وفاته ثم أُخلي في سنة 1933. كما شغل مركز الحرف الأثرية التابع لهيئة الآثار هذا المنزل من الستينيات من هذا القرن.
ترميم بيت السناري
أثر زلزال 1992 كثيراُ على حال البيت وهو ما جعل المجلس الأعلي للآثار بالتعاون مع البعثة الفرنسية بالقيام بأعمال ترميم المنزل عام 1996 . وتم خلالها ترميم المنزل على عدة مراحل بدأت بمشروع لخفض منسوب المياه الجوفية، ارتبط بالشبكة الرئيسية للصرف الصحي بالقاهرة، تبعه اختيار حرفيين ممن لديهم خبرة للعمل في ترميمه المعماري؛ حيث تم خفض مستوى الشــارع المجــاور للمنزل؛ لإعــادته إلى نفس المستوى الذي كان عليه فـي القرن المــاضي، وهو ما أتاح ظهور المدخل الرئيسي كاملا لأول مرة، كما تم ترميم قاعات المنزل والمشربيــات والدواليب الحائطية، وتمت هذه الأعمــال بواسـطـة فريق عمل مصري فرنسي. ولم تتوقف عمليات الترميم علي اعاده رونق وجمال المنزل فحسب,بل قام الفريق بإضافه مصابيح للاضاءه لجميع الغرف.
أصدرت وزارة الثقافة المصرية قرارًا بتسليم منزل السناري لمكتبة الإسكندرية وقامت مكتبة الإسكندرية بتجهيز “بيت السناري” ليكون مركزا ثقافيا كبيرا وبيتا ً للعلوم والثقافة والفنون، ويهدف هذا المشروع إلى إحياء المجمع العلمي المصري القديم الذي أسسه نابليون بونابرت في هذا المنزل، حيث أنجز فيه مائتي عالم فرنسي موسوعة “وصف مصر” الشهيرة، والتي أهديت لمكتبة الإسكندرية نسختها الأصلية.
جدير بالذكر أن المنزل يشهد حالياً بعد أن تحول إلى مركزاً للإبداع نشاط متنوع ومثمر للشباب مثل صالون الشباب الأدبي، هذا بخلاف إقامة العديد من المعارض الفنية والحفلات الموسيقية والغنائية، كما تضم أنشطة البيت “دورات تدريبية في الخط العربي القديم واللغة القبطية والخط الهيروغليفي، ويعقد به أيضًا حلقات نقاشية علمية حول “مستقبل العلوم والمعرفة”.