[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

سياحة الحمير!

سياحة الحمير كانت منتشرة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في مناطق كثيرة بالعالم، وكانت تلقى إستحساناً، وفي عصرنا هذا وفي دول كبيرة أصبح السائح لا يبحث عن الرفاهية في قضاء إجازته بل يبحث عن المتعة، والمتعة تعني أن يعود للطبيعة في تنقلاته وفي إقامته وفي مأكله ومشربه وبأرخص الأسعار، أي أنه يبحث عن الإقامة الأقل سعراً ولا يعنيه طبيعة المقصد، فالمتعة في السفر والتنقل والترحال هي كل ما تعنيه، فالعالم أصبح بائس بعد تعافيه من كورونا “محسوداً” ربما، ولكن المتغير إستيعابه مخيف، فهل تعود سياحة الحمير في ظل التنافسية وتدني الأسعار، وخاصةً في أوروبا التي إنتشرت فيها دعوات وبرامج للاستمتاع بطبيعة الريف الخلابة، وأصبحت هذه الدعوات تحفّز من يرغب في قضاء إجازته بالذهاب إلى ريف بلده من باب التغيير، وحرصاً علي سلامته من وباء كورونا المتحور.

قرأت خبراً عن إرتفاع أسعار الحمير في بعض المناطق في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، ونقص الوقود وإرتفاع تكلفة النقل، الخبر ذكرني بواقعة غريبة حدثت في تسعينيات القرن الماضي، كان بطلها رجل أعمال في بداية عمله بالسياحة، ولا يملك خبرة كافية ولم يكن من المؤهلين للعمل في هذا المجال، لكنها كانت موضة الاستثمار في السياحة وتسهيلات قدمتها البنوك لمن يرغب في ذلك.

الواقعة باختصار أن هذا المواطن الذي كان يعمل سائقاً علي عربية “تريلا” تنقل الزلط والرمال من جنوب سيناء، إستطاع أن يمتلك فندقاً كبيراً، وأن يتعاقد مع شركة إدارة أجنبية لإدارته، ووقّع علي عقد إذعان لم يعرف بنوده نظراً لأنه مكتوب باللغه الإنجليزية، وصديقنا هذا “بصمجي” لا مؤاخذة في اللغه الإنجليزية طبعاً، وعندما لجأ إلى محاميه لترجمة العقد قبل التوقيع طالبه محاميه بدفع خمسون ألف جنيه، رفض ووقّع وكانت المفاجأة أن الشركة تقريباً نصبت عليه ولم تلتزم بسداد ما تم الاتفاق عليه، أو على الأقل كما يتصور سيادته.

لجأ لوزير السياحة وقتها الدكتور ممدوح البلتاجي ليساعده علي فسخ التعاقد بعد إنقضاء عام ونصف من الإتقاق الذي لم يحصل فيه علي مليماً حسب بنود العقد الذي يجهل ما تنص عليه بسبب غباؤه وطمعه وجشعه، وساعدته ظروف كثيرة علي فسخ العقد المبرم، وقرر أن يدير ممتلكاته بنفسه، عندما سألته عن خبرته في الإدارة وأن هذا قرار خاطئ ويجب التعاقد مع شركة إدارة لها خبرة، رفض وقال يا سيدي إن هذه سياحة الحمير، لم أفهم وقتها ما هي سياحة الحمير الذي يقصدها، وبعد مرور عشرات السنوات، بدأت تعود الحمير كوسيلة نقل في بيروت، وأسعارها زادت ثلاث أضعاف وربما أكثر في بعض المناطق.

وربما في بقاع كثيرة من العالم ستكون الحمير هي من يُعتمد عليها في إدارة ونقل من يرغب في قضاء إجازته توفيراً للنفقات وترشيداً، لأن بعض المقاصد في ظل التنافسية بعد عودة حركة السفر مرة أخرى والتعافي من وباء كورونا، سارعت بإستقبال من يرغب في قضاء إجازته بأسعار لا تكفي ثمن وجبه في مطعم من مطاعم الشانزليزيه الفرنساوي، تحت دعوى تتشيط حركة السياحة وتحفيزها، وهذا بالطبع يحقق خسائر كبيرة لأي مقصد في ظل إرتفاع أسعار الوقود والأغذية والمشروبات، حيث الأوتيلات والفنادق الرخيصة وركوب الحمير.

زر الذهاب إلى الأعلى